شهيّا ، وأوصوه بهذه الوصية : (وَلْيَتَلَطَّفْ) في تنكّره ذهابا وإيابا (وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) إن علموا بمكانكم (يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً). وخرج واحد من الفتية إلى المدينة ، يلتمس الطعام ، وما إن بلغها حتى رأى الأرض غير الأرض «ورأى رجال الحي غير رجاله» فتاه في سيره وحار في أمره ، وأخيرا اهتدى إلى بعض المطاعم ، فابتاع وأعطى الثمن من دراهمه ، ولما رأى صاحب المطعم أنها قد ضربت منذ ثلاثة قرون أو تزيد تخيّل أن الفتى عثر على كنز ، واجتمع الناس من حوله وأدلفوا إليه من كل مكان ، وسألوه عن الدراهم ، فأخبرهم بالقصة ، فترفقوا به وأكرموه حين علموا أنه من الفتية الشرفاء الذين يتحدث التاريخ عنهم بالتقديس والإكبار ، وهرعت الجموع إلى الكهف وكان الفتى قد سبقهم إلى أصحابه وأخبرهم بما كان ، فتضرعوا إلى الله أن يختارهم لجواره ، ويشملهم برحمته ، وما إن أتموا الدعاء حتى وقعوا أجساما هامدة ، أما أهل المدينة فقالوا : إن الله سبحانه أعثرنا على أصحاب الكهف أحياء لنؤمن بالبعث ، ولكنهم تنازعوا ما ذا يصنعون لهذه الأجسام الطاهرة. وأخيرا بنوا عليهم مسجدا كما أشار سبحانه بقوله : (فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً) قال بعض أهل المدينة : سدوا باب الكهف ، وذروهم على حالهم (قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ) وهم الأكثر عددا أو الأقوى سلطانا (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) فوافق الآخرون أو سكتوا ولم يعترضوا.
(سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ) اختلف الناس منذ القديم في مكان أهل الكهف وفي أسمائهم وفي عددهم ، بل وفي لون كلبهم ، وذكر سبحانه في الكتاب المجيد ثلاثة أقوال :
الأول أنهم ثلاثة ، الثاني أنهم خمسة ، ثم وصف هذين القولين بأنهما رجم بالغيب أي بلا علم بل بالحدس والظن ، وإذن لا صحة لهما ولا وزن. أما القول الثالث فهو (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) وهذا القول هو الأرجح لأمرين الأول : أنه تعالى وصف القول بالثلاثة والخمسة بالجهل والرجم بالغيب دون القول بالسبعة. الثاني أنه تعالى قال هناك : ثلاثة رابعهم كلبهم ... خمسة سادسهم كلبهم بلا واو ، وقال هنا : سبعة وثامنهم كلبهم بواو الاستئناف ، وهذه الواو تقطع الكلام (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ) فيه إيماء إلى أن الأحسن والأفضل رد العلم بعددهم إلى الله تعالى حيث لا جدوى وراء هذا النزاع ، ولا يتصل بالحياة من قريب أو بعيد ، ولذا قال سبحانه لنبيّه الكريم : (فَلا تُمارِ فِيهِمْ) لا تحادل في أهل الكهف وعددهم (إِلَّا مِراءً ظاهِراً) إلا جدالا يسيرا بلا تعمق واهتمام حيث لا فائدة كبيرة أو صغيرة (وَلا تَسْتَفْتِ) لا تسأل يا محمد (فِيهِمْ) في أهل الكهف (مِنْهُمْ) من أهل الكتاب (أَحَداً) لأن الله قد أوحى إليك في شأنهم ما فيه الكفاية.
٢٣ ـ (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً) بلسان القطع والجزم تحرزا من المفاجئات والمخبآت.
٢٤ ـ (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) رد عزمك على فعل الشيء