في المستقبل إلى مشيئة علام الغيوب (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) شيئا من أمور الدنيا (وَقُلْ) عند النسيان : (عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا) من المنسي (رَشَداً) وأدنى خير أو منفعة. وفي نسيان الأشياء بعض فوائد جمة.
٢٥ ـ (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) عاد سبحانه إلى فتية الكهف بعد الاستطراد بذكر النسيان والمشيئة ، وبيّن أنهم مكثوا في نومهم ٣٠٩ سنوات.
٢٦ ـ (قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا) عند ذكر العدد قال سبحانه : قل ربي أعلم بعدتهم ، وعند ذكر المدة قال جلّ وعزّ : قل الله أعلم بمدتهم ، وقد أعلمنا بعلمه هذا صراحة : ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) الفعل للتعجب ، والهاء تعود إليه تعالى وهي فاعل ، والباء زائدة ، والمعنى ما أبصره تعالى وأسمعه! (ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) لا شريك لله في خلقه ، ولا للخلائق من ناصر إلا هو.
٢٧ ـ (وَاتْلُ) يا محمد (ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ) بلّغ أيها الرسول ما في القرآن من أنباء أهل الكهف وغيرها (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) لا يأتيها الباطل لا تغييرا ولا تقليما ولا تطعيما (وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) ملجأ يمنعك من الله.
٢٨ ـ (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ...) كن يا محمد مع المؤمنين المخلصين الذاكرين الله في كل حين المطيعين له في أمره ونهيه طلبا لمرضاته وفضله ورحمته (وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ) أي عن المؤمنين ، ويستحيل في حق النبي أن يزدري أحدا من المؤمنين ، كي يخاطب بالنهي عن ذلك ، كيف وسبحانه يشهد بأن محمدا بالمؤمنين رؤوف رحيم كما في الآية ١٢٨ من التوبة؟ وعليه فالمراد بالنهي هنا مجرد التنويه بحرمة المؤمن وفضله ومكانته عند الله تعالى (تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) يشير سبحانه بهذا إلى أن مكانة المؤمن الفقير عند الله هي أرفع وأفضل من مكانة أهل الجاه والمال إلا من أعطى واتقى وصدق بالحسنى. (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا) آثر دنياه على آخرته ، وهواه على طاعة الله (وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) من الإفراط وتجاوز الحد في الأقوال والأفعال. وتقدم شبيه ذلك في الآية ٨٨ من الحجر.
٢٩ ـ (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) قد تبيّن الرشد من الغيّ والخير من الشر ، ولكل إنسان أن يختار لنفسه ما أحبّ لها ، وأسلوب الآية ظاهر بالوعيد والتهديد ، ويؤيّده قوله تعالى بلا فاصل : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) البيت من الشعر
___________________________________
الإعراب : (يَهْدِيَنِ) الأصل يهديني ، والمصدر من ان يهدين فاعل عسى ، وهي هنا تامة. ورشدا تمييز أي اقرب من الرشد. وثلاثمائة قرئ بتنوين تاء مائة ، وعليه تكون (سِنِينَ) بدلا من (ثَلاثَ مِائَةٍ) ، وقرئ بإضافة مائة الى السنين على ان تكون (سِنِينَ) في موضع سنة ، لأن مائة لا تضاف إلا الى مفرد. وتسعا مفعول ازدادوا. أبصر به الضمير في (بِهِ) يعود الى الله تعالى ، (وَأَسْمِعْ) وابصر للتعجب أي ما