٥ ـ (أُولئِكَ) إشارة إلى الذين اتصفوا بالخصال السابقة النبيلة الفاضلة (عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) أبدا لا هدى إلا هدى الله وحده ، وأهل تلك الخصال الحميدة متمكنون منه ومستقرون عليه (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) كرر سبحانه كلمة أولئك للتنبيه إلى أنهم قد تميزوا عن غيرهم بفضيلتين : الهدى إلى دين الحق والفلاح والظفر بمرضاة الله وثوابه.
٦ ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) سواء بمعنى الاستواء وهو هنا خبر إن الذين ، والإنذار : التحذير من العذاب ، لما قدم سبحانه ذكر الأتقياء عقّبه بذكر الأشقياء ، وأنهم لا يستجيبون لداعي الله ، وإن بالغ في الوعيد والتهديد.
٧ ـ (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) الختم والغشاوة هنا كناية عن أنهم قد بلغوا الغاية القصوى في العناد والمكابرة حتى كأن قلوبهم مقفلة لا ينفذ إليها شيء ، وعلى أبصارهم غطاء لا يرون معه شيئا.
٨ ـ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) ذكر سبحانه أولا الذين آمنوا سرا وعلانية ، ثم ثنى بالذين كفروا كذلك قلبا ولسانا ، ثم ثلّث بالذين أسرّوا الكفر وأعلنوا الإيمان ، وهم المنافقون ، وذنبهم عند الله سبحانه أعظم من ذنب الكفرة الفجرة ...
٩ ـ (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا) إن الله لا يخدع ، ولكن المنافقين صنعوا صنع الخادعين حيث تظاهروا بالإيمان وهم كافرون ، فأمر الله نبيه والصحابة أن يعاملوهم معاملة المسلمين ، وغدا يجري سبحانه معهم حساب المشركين (وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) لأن عاقبة النفاق والخداع تعود عليهم بالضرر لا على غيرهم (وَما يَشْعُرُونَ) بسوء المصير.
١٠ ـ (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ومرض القلب هو النفاق والاعتقاد الفاسد والحقد والحسد ونحو ذلك من الرذائل (فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) وذلك بأن المنافقين حسدوا النبي على عظيم مقامه ، فزاده الله عظمة وعلوّا. فازدادوا حسدا على حسد أي مرضا على مرض (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) فيه إشارة إلى أن الإنسان لا يعذب على مجرد الحسد ما دام في القلب فقط ، وإنما يعذب إذا ظهر للحسد أثر محسوس كالكذب والافتراء على المحسود ونحو ذلك.
١١ ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) كان المنافقون يتجسّسون على المسلمين ، ويفشون أسرارهم للأعداء ، وإذا نهوا عن هذا الفساد (قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) خالصون من كل عيب ، فإذا بهذا الزعم فساد إلى فساد.
١٢ ـ (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) لا يرون ما هم فيه من عيوب وعورات.
١٣ ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ) أي صدقوا رسول الله (ص) كما صدّقه إخوانكم وأصحابكم كعبد الله بن سلام وغيره (قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) السفه : خفة الحلم وسخافة العقل ، أما النفاق فهو : فساد العقيدة (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ) أي يجهلون أنهم جاهلون وهذا أبلغ الذم.