والقرآن ، تصفر وجوههم منها وتغبر (يَكادُونَ يَسْطُونَ) يبطشون (بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا) يحتج المؤمنون المحقّون بالدلائل القاطعة على الجاحدين ، ويجيب هؤلاء بألسنة السوء وعرض العضلات! وهكذا جلّ الأقوياء المبطلين يضعون حدا للنقاش بالسجن أو المشنقة ، ولا يعترفون بالخطإ ، ومن أبرز الشواهد على هذه الحقيقة محاكم التفتيش التي أنشئت في أوروبا لمحاكمة العلم والعلماء.
(قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ ...) وهي أشد وأشق عذابا على الكافرين مما يهددون به المؤمنين.
٧٣ ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ) سماع وعاية ودراية (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) حتى ولو تعاون المعبودون والشركاء بالكامل على خلق ذرة أو ذبابة ـ لتراجعوا خاسئين (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ) وفوق ذلك أن الذبابة لو سلبت الأصنام ذرّة مما عليها من طيب وغيره لعجزت عن مقاومة الذبابة والإنتصار عليها (ضَعُفَ الطَّالِبُ) وهو المعبود من دون الله (وَالْمَطْلُوبُ) وهو الذباب ، وقال أديب شهير فيما قال حول هذه الآية : «هو مثل ما زال معجزا للعلم والعلماء بعد ألف سنة من تطوّر العلم ، فمن يستطيع أن يخلق ذبابة على تفاهتها ، وإذا سلبتك الذبابة حياتك بمرض تنقله إليك ، فمن يستطيع أن يردّ لك تلك الحياة».
٧٤ ـ (ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) ما عرفوا عظمة الله حق المعرفة حيث تركوا عبادته ، وعبدوا من يعجز عن خلق الذبابة ، بل ومقاومتها والإنتصار عليها! وبعد فهل من عجب إذا ترك الناس أهل العلم والقداسة ، واتّبعوا أعور الدجال الذي تحدث عنه صاحب البحار وغيره من العلماء الأبرار؟
٧٥ ـ (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) كجبرائيل ينزل بالوحي على النبيّين (وَمِنَ النَّاسِ) مبشرين ومنذرين ٧٦ ـ (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) يعلم سبحانه ماضي الرسل وحاضرهم ومستقبلهم ، وانهم أهل لكرامته وتبليغ رسالته ٧٧ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالله ورسوله واليوم الآخر لا جدوى من إيمانكم هذا إلّا أن تتوافر فيكم مع الإيمان أربعة أوصاف : الأول أن تقيموا الصلاة لله وحده ، وإليها أشار بقوله تعالى : (ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) الثاني أن تطيعوا الله في أمره ونهيه ، وهذا هو المراد بقوله : (وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ) حيث لا عبادة من غير طاعة ، الثالث : (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) كإغاثة الملهوف وإصلاح ذات البين والتعاون على الصالح العام الرابع أن تجاهدوا بأنفسكم وأموالكم ضد الفقر والجهل والاستغلال والعدوان على عباد الله وعياله ، وهذا المعنى هو المقصود من قوله سبحانه.
٧٨ ـ (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ) اختاركم ، والخطاب للذين ناداهم سبحانه في صدر الآية السابقة بقوله : يا أيها الذين آمنوا اركعوا ... وعليه يكون السبب الموجب للاختيار هو الإيمان بالله ورسوله والعمل بشريعته (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) والمراد بالحرج هنا الضيق ، والمعنى أنّ الله سبحانه ما شرّع حكما فيه عسر ومشقة على أحد من عباده ، وأيضا معناه أن الحكم الواحد يختلف تبعا لطاقة الفرد وظروفه. وفي الحديث : إذا اجتمع أمران فأحبهما إلى الله أيسرهما ، والتفصيل في كتب الفقه وأصوله