٩٠ ـ (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِ) بيّنّاه وأوضحناه بالحجّة البالغة والأدلّة القاطعة حتى أصبح كنور الشمس (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) بدعوى الإيمان والاعتراف بالله ، لأن الإيمان عمل كله ولا إيمان بلا عمل علما بأنه لا عين ولا أثر لهذا الاعتراف والإيمان في أعمالهم. وبهذه تكون الآية واضحة الدلالة على أن من يدّعي الإيمان بالله ويصرّ على معصيته فهو منافق يكذب على الله في دعواه.
٩١ ـ (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ) وإلا لكان هو متولدا عن غيره بالتناسل المعروف أو لنشوء كتولد النبات من الحب ، وتقدم مرارا ، منها في الآية ٢٦ من الأنبياء (وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) لو تعددت الآلهة لانفرد كل واحد منهم بجزء من الكون ، له حدوده وخصائصه مع أن النظام واحد ، فالخالق إذن واحد إضافة إلى التناحر والتنازع بين الآلهة على السلطان ، ولو كان شيء من ذلك لفسدت الأرض والسماء.
٩٢ ـ (عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) وكل غيب عنده شهادة ، وكل سرّ عنده علانية كما قال الإمام أمير المؤمنين (ع). وعليه يكون التقسيم بالنسبة إلينا لا إليه تعالى علوّا كبيرا.
٩٣ ـ ٩٤ ـ (قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ. رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وعد سبحانه الظالمين بالعذاب وفي ذات الوقت أمر نبيّه أن يدعو لنفسه أن يريه عذاب الظالمين دون أن يناله شيء منه ، والغرض من ذلك تهديد الطغاة العتاة.
٩٥ ـ (وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ) الله قادر على عقاب العاصي في أول ما يهم بالمعصية ، ولكن يمهله عسى أن يحدث بعد ذلك ما يحدث ، وأنت يا محمد.
٩٦ ـ (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ) ويختلف الدفاع بالأحسن تبعا لحال المسيء وطبيعته ، فإن أغراه الإحسان بالمزيد من الإساءة والعدوان ـ فتركه أفضل وأحسن. قال الإمام عليّ (ع) : الوفاء لأهل الغدر غدر والغدر بأهل الغدر وفاء ، وإن كان الإحسان علاجا لداء المسيء وسببا لندمه وتوبته ، كان هو الأفضل والأكمل.
٩٧ ـ ٩٨ ـ (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ. وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) أصلها يحضرونني ، فحذفت إحدى النونين لمكان أن الناصبة ، وحذفت الياء للتخفيف ، ومعنا أن يقربوا منّي ، وهمزات الشياطين : وساوسهم ، والشيطان وحزبه في شغل شاغل بالغاوين عن عباد الله المخلصين بنصّ الآية ٤٢ من الحجر : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) وعليه يكون معنى قول النبي (ص) : أعوذ بالله من الشياطين : وألجأ إليه من أهل السوء وشرّ كل ذي شرّ.
٩٩ ـ ١٠٠ ـ (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ...) يطلب الرجعة عند انتهاء الأجل! وهيهات قد فات ما فات (كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) وكفى أي لا تغني عنه شيئا ، لأن من مات فقد قامت قيامته (وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) أي يوم القيامة ، والبرزخ الحائل ، والمعنى دون رجعة الموتى إلى الدنيا مانع بإرادة الله ومشيئته ، وأيضا معنى هذا أن الروايات الواردة في الرجعة مخالفة لظاهر هذه الآية ، وفي الخطبة ١٠٧ من خطب نهج البلاغة «حيث لا إقالة ولا رجعة» والخطبة ١٨٨ «فلا رجعة تنالون ، ولا عثرة تقالون».
١٠١ ـ (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ