الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) هذا وعد وعهد منه تعالى لنبيه محمد (ص) والذين آمنوا معه ، أن يبدلهم من بعد الخوف أمنا ، ومن بعد الذل عزا ، وقد فعل سبحانه إنجازا لوعده وانتصارا لجنده ، وحين تخلى المسلمون عن طاعة الله بالشتات والخلافات تخلى الله عنهم وجاء في نهج البلاغة : أعطوا الله طاعتكم ... والله لتفعلن أو لينقلن الله عنكم سلطان الإسلام ثم لا ينقله إليكم أبدا. وإلى هذا أشار سبحانه بقوله : (وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ) من خرج عن طاعة الله بعد أن منحه العز والسلطان (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) الخارجون من كل خير ، المبعدون عن الصلاح والفلاح.
٥٧ ـ (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) أبدا لا يعجزه من طلب ، ولا يفوته من هرب.
٥٨ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ) قبل الدخول عليكم (الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) أي العبيد ، ولا وجود لهم اليوم ، ولكن الحكم يشمل الخدم من الذكور والإناث (وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ) الاحتلام (مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ) يقول سبحانه : مروا الخدم والصغار ـ وبالأولى الكبار ـ أن يستأذنوا قبل الدخول عليكم في ثلاثة أوقات ، لأنها مظنة انكشاف العورة ، وهذه الأوقات هي (١) (مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ) حيث يكون الإنسان آنذاك نائما أو في ثياب النوم (٢) (وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ) وقت القيلولة والاستراحة (٣) (وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ) حيث يتجه الإنسان إلى فراشه أو إلى شأنه الخاص (ثَلاثُ عَوْراتٍ) جمع عورة ، وهي كل ما يستره الإنسان من أعضائه حياء من الناس (لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَ) لا بأس على الخدم والصبيان ولا على ذويهم في الدخول من غير استئذان في بقية الأوقات (طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ) تترددون عليهم ، ويترددون عليكم ، فيغتفر لهم ما لا يغتفر لغيرهم. وفي هذا إيماء إلى أن المخالطة الجائزة شرعا عذر يسقط معه بعض الأحكام تماما كالضرورات التي تبيح المحظورات.
___________________________________
الإعراب : اللام في (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ) وما بعده جواب لقسم محذوف. و (كَمَا اسْتَخْلَفَ) الكاف بمعنى مثل صفة لمفعول مطلق أي استخلافا مثل استخلاف الخ. وجملة (يَعْبُدُونَنِي) حال من ضمير ليبدلنهم. و (شَيْئاً) مفعول مطلق. (ثَلاثَ مَرَّاتٍ) مفعول فيه ليستأذنكم لأن المراد بالمرات هنا الأوقات. و (ثَلاثُ عَوْراتٍ) برفع ثلاث خبر لمبتدأ محذوف أي هي ثلاث عورات ، وبالنصب بدل من ثلاث مرات. و (طَوَّافُونَ) خبر لمبتدأ محذوف أي هم طوافون ... وبعضكم على بعض (بَعْضُكُمْ) فاعل لفعل محذوف دل عليه طوافون أي يطوف بعضكم على بعض أو خبر لمبتدأ محذوف أي بعضكم يطوف على بعض.