٦ ـ (قُلْ) يا محمد : (أَنْزَلَهُ) القرآن (الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) كيف يكون القرآن خرافة وأساطير ، وفيه آيات بينات تدعو للتحكيم إلى العقل ، وتحكي أسرار الحياة ، وتجدد مفهوم الخير والشر ، وتخبر عن أحوال الأمم الماضية والقرون الخالية بما يتفق وينطبق مع الحق والواقع؟ وكفى بذلك دليلا قاطعا على أن القرآن من عند الله الذي خلق السموات والأرض ، وأحاط بكل شيء علما (إِنَّهُ كانَ) وما زال (غَفُوراً رَحِيماً) هذه دعوة كريمة من رحمة الله الواسعة إلى من كفر به وبكتبه ورسله ، أن يقلع عن غيه ، ويأتي إليه تعالى آمنا ومكرما أيضا ... ولا بدع ، فهذا شأن من لا يعبد إلا هو ، ولا حاجة له إلى شيء أصلا وإطلاقا.
٧ ـ (وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) يريدون من رسول الله أن يتعالى على الخلق ، ويحتجب في برج من عاج تماما كالجبابرة الطغاة! وهل بعث الرسول إلا لتدميرهم ودك عروشهم؟ وكيف يقوم الراعي والمرشد بالرقابة على أعمال الرعية وهو في معزل عنهم؟ وتقدم في الآية ٩٤ وما بعدها من الإسراء (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) يشهد بصدقه ، وينذر من كذّبه بالعذاب.
٨ ـ (أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها) هذا هو منطق أرباب المال : بنك وعقار ، وجيب ومعدة! فكيف يؤمنون برسالة من يقول : الناس سواسية كأسنان المشط في جميع الحقوق والواجبات؟ (وَقالَ الظَّالِمُونَ) المعاندون للمؤمنين المنصفين : (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) مغلوبا على أمره وعقله ، وتقدم في الآية ١٠١ من الإسراء.
٩ ـ (انْظُرْ) يا محمد (كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) أي قالوا أقوالا كاذبة باطلة ، مثل انك ساحر أو مسحور ، ولو كنت نبيا لكنت غنيا! (فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) أبدا لا حجة لهم عليك ، بل الحجة لك عليهم ، لأنك على الحق من ربك ، وما ذا بعد الحق إلا الضلال.
١٠ ـ (تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ) قال الجبابرة الطغاة لمحمد (ص) : كيف تكون رسولا ، ولا تملك جنة أو كنزا؟ فرد عليهم سبحانه بأنه قادر على أن يمنح نبيه أعظم من ذلك (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) ولكن العظمة لا تقاس بالمال ، بل بالعلم وصالح الأعمال ، وفي الحديث : لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة ماء.
١١ ـ (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ) يوم القيامة ، وفيه دلالة على أن المشركين كانوا على استعداد تام للإيمان بنبوة محمد (ص) لو لا دعوته إلى الإيمان باليوم الآخر.
١٢ ـ ١٣ ـ (إِذا رَأَتْهُمْ) جهنم (مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً ...) كناية عن سوء العذاب وشدته ، وتقدم في الآية ١٩ وما بعدها من الحج.