العذاب الذي أشار إليه سبحانه بقوله : (وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً) أهلكنا إهلاكا.
٤٠ ـ (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ) لقد مر عتاة قريش بقرى قوم لوط ، وشاهدوا ما فيها من آثار العذاب والهلاك ، وكان عليهم أن يعتبروا ويتعظوا (بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً) كيف يتعظون وهم لا يؤمنون ببعث وحساب وجزاء؟.
٤١ ـ (وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ) يا محمد (إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) يهزءون ويستخفون بسيد الكونين! ولما ذا؟ لأنه ساوى بين الأسود والأبيض ، وثار على الجهل والبغي ... وأين هؤلاء الساخرون الهازءون الآن من حياة الناس وفي سجلات التاريخ؟
٤٢ ـ (إِنْ كادَ) محمد (لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها) التوحيد شر وضلال في منطقهم ، وعبادة الأصنام هدى وخير! وكل أو جلّ الذين آمنوا بمحمد (ص) كانوا من قبل على هذا الجهل بالجهل ، والتعصب الأعمى لما توارثوه عن الأجيال ، ومع ذلك أقنعهم محمد وجذبهم إليه بخلقه العظيم وأسلوبه الحكيم الرّحيم ، وهنا يكمن السر لعظمة محمد ، وأيضا من هنا قال حر خبير : لو تسلّم محمد زمام الحكم المطلق اليوم في العالم كله لحل مشكلاته بالكامل ، وحقق للعالم السلام والرخاء المنشود.
٤٣ ـ (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) كل من يتخلى عن الإيمان بالله وعدله يبحث عن بديل له فيما يحب ويهوى من جاه أو مال أو غير ذلك من ملذات وشهوات (أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) حافظا له من الضلال والفساد.
٤٤ ـ (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ) أنت يا محمد تحاول إقناعهم بالعقل والموعظة الحسنة ، وهم لا يفهمون إلا بمنطق القوة أو الرغبة والرهبة (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) لأن الأنعام تؤدي ما عليها. وتطلب ما ينفعها ، وتتقي ما يضر بها ، وتنقاد لصاحبها أمرا وزجرا ، وهؤلاء لا يؤدون ما عليهم ، ولا ينقادون لخالقهم ، ولا يتقون عذابه ويعملون لثوابه.
٤٥ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) الظل يمتد ويتقلص تبعا لحركة الأرض ودورانها حول الشمس ، وأسندها سبحانه إليه لأنه خالق الأرض والكون ، كما أشرنا أكثر من مرة (وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) أي لجعل الأرض ساكنة. وبسكونها يسكن الظل ، لأن التابع لا ينفرد بالحكم ، بل يسري عليه ما يسري على المتبوع (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً) لو لا الشمس لم يكن للأجسام ظل بحكم البديهة ٤٦ ـ (ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً) بسط سبحانه الظل رويدا رويدا ، وأزاله كذلك تبعا لحركة الأرض ونعود إلى التكرار بأن هذا وصف للسنن الكونية ، وربطها سبحانه بإرادته لا بأعيان الأشياء الطبيعية لأنه هو الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا ، أنظر تفسير الآية ٢ من هذه السورة.
٤٧ ـ (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً) ساترا كاللباس (وَالنَّوْمَ سُباتاً) سكونا وانقطاعا عن العمل (وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً) حركة وعملا.