طائعون منقادون ، يعرفنا سبحانه بعظمته لنقدسه ونخلص له في التوحيد والعبادة.
٢٧ ـ (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) من لا شيء (ثُمَّ يُعِيدُهُ) بعد أن يصبح هبابا ويبابا (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) لا تفضيل في كلمة أهون لأن خلق الكون والذرة سواء في قدرته تعالى كل شيء يكون بكلمة «كن» (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى) أي الصفة العليا التي لا يشاركه فيها شيء.
٢٨ ـ (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ) أنتم أيها المشركون تأنفون وترفضون أن يكون العبد الذي تملكون شريكا لكم فيما رزقكم الله من مال وعقار ، فكيف تجعلون لله شركاء وأندادا من مخلوقاته؟ تكرهون الشريك وهو مخلوق مثلكم وترضونه لله الخالق والمحيي والمميت؟ (فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ) أي تكرهون المساواة في الأموال بينكم وبين العبيد (تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) المراد بأنفسكم الشركاء الأحرار من أمثالكم ، والمعنى هل تهابون العبيد حين تتصرفون في أموالكم كما تهابون الأحرار لو كانوا شركاء معكم في الأموال؟
٢٩ ـ (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) حيث خيّل إليهم أن الحق فيما يهوون ، والعدل فيما يشتهون! وهذا هو الجهل بالجهل (فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ) أي من رآه الله ضالّا في واقعه وحقيقته لا من رآه الناس ضالّا من ظاهر تصرفاته وهو في واقعه من المهتدين.
٣٠ ـ (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) حنيفا : مائلا إلى الحق ، أما تحديد الدين بالفطرة فيتضح بهذا البيان : كل إنسان حتى اكثر الخلق شرا وفجورا يود تلقائيا وبدافع من أعماقه أن يصون الناس دمه وماله وعرضه ، ولا يمسه أحد بسوء ، وأيضا يحب بغريزته أن يحسنوا إليه ويتعاونوا معه على خيره وصلاحه ، ومعنى هذا أنه يطلب من جميع الناس أن يكونوا متدينين من حيث لا يشعر ، لأن مهمة الدين القويم أن يحمل كل فرد من أفراد الإنسان على أن يستجيب لهذه الفطرة في معاملاته وتصرفاته : بحسن ولا يسيء ويتعاون مع الآخرين ولا يتهاون في شيء من حقوقهم تماما كما يريد هو أن لا يتهاون أحد في حقوقه. (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) خلق سبحانه الإنسان على هذه الفطرة ، ولا يمكن زوالها من الأساس ، أجل للإنسان أهواء غير مشروعة وكثيرا ما تصطدم مع الفطرة ، وتتغلب عليها ، ولكن لا تمحوها وتستأصلها من الجذور (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) أي الذي ينسجم مع الفطرة ، وكل ما ينفصل عنها ، ويصطدم معها فما هو من الدين القيّم في شيء.
٣١ ـ ٣٢ ـ (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ) ارجعوا إلى هذا الدين الإنساني الفطري ، واعملوا بجميع أحكامه (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ ...) تقدم في الآية ١٥٩ من الأنعام.
___________________________________
الإعراب : لكم مما ملكت متعلق بمحذوف خبرا مقدما لشركاء ، ومن زائدة إعرابا. ومثله وما لهم من ناصرين.