من رجال الدنيا والدين (فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) بضلالهم حيث سيطروا بالكذب والخداع أو بالقهر والغلبة ، وشمخوا واستكبروا ونهبوا وسلبوا.
٦٨ ـ (رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ) الأول لضلالهم والثاني لإضلالهم عبادك ، وتقدم في الآية ٣٨ من الأعراف ٦٩ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا) والذين آذوا موسى هم اليهود ، ما في ذلك ريب ، وفي بعض التفاسير : أن موسى وهرون صعدا الجبل ، فمات هرون فقال له اليهود : أنت قتلته وما هذا ببعيد على من قال : الله الفقير ونحن الأغنياء. وفي أية حال فإن قوله تعالى للذين آمنوا بمحمد (ص) : لا تكونوا كالذين آذوا موسى ـ يشير إلى أن بعض الصحابة افترى على رسول الله ونسب إليه ما هو بريء منه.
٧٠ ـ ٧١ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) باتقاء الشبهات في الأقوال والأفعال ، فإن الوقوع فيها يجر إلى التهلكة (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) الذي قال : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك (فَقَدْ فازَ) بالسهم الأوفر.
٧٢ ـ (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) للأمانة ثلاثة أركان : الركن الأول نفس الأمانة التي يجب حفظها والوفاء بها ، والمراد منها هنا التكليف بفعل الواجبات وترك المحرمات ، وبكلمة : الدين. الركن الثاني صاحب الأمانة ، وهو الخالق والمشرع جل وعلا ، ولذا أضافها إلى نفسه في قوله : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ). الركن الثالث الأمين أو المؤتمن ، وهو الإنسان ، لأنه المخلوق الوحيد الذي تتوافر فيه شروط المسئولية كالعقل والحرية والقدرة على التصرف قبضا وحرصا ووفاء ، ولذا وضعها سبحانه عند الإنسان دون سواه (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) ـ ١٢٤ الأنعام» وقال : حملها الإنسان ولم يقل : حملناها للإنسان للتنبيه إلى استعداده واقتداره على حملها ، ونفاها عن السماء والأرض والجبال لأنها لا تملك هذا الاستعداد وقال : أبين وأشفقن منها للتنبيه إلى عظمة الأمانة في قدرها ، وأنها فوق ما تطيقه المجرات والجبال الراسيات (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً) لنفسه حيث استهان بالأمانة ، ولم يتنزه عن الخيانة (جَهُولاً) بقدر الأمانة وعظمتها وبما ينجم عن التهاون بها.
٧٣ ـ (لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ) اللام هنا للعاقبة أي أن الله كلف الإنسان فعصى بالشرك والنفاق والفسق ، فاستحق العذاب (وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) أي يرحمهم ويحسن إليهم ، لأنهم أبصروا أمانة الله ، وآمنوا بأنها حق يجب أن يؤدى ويصان ، وأنهم محاسبون عليها لا محالة.
___________________________________
الإعراب : والسبيلا مفعول ثان لأضلونا لمكان همزة التعدية ، ويجوز أن يكون السبيل منصوبا بنزع الخافض أي عن السبيل. (يُصْلِحْ) مضارع مجزوم بجواب قولوا. و (أَشْفَقْنَ) منها على حذف مضاف أي من حملها.