١٤ ـ (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) وقد يسأل سائل : لما ذا كل هذا الترديد والتوكيد الشديد على أن محمدا عبد من عباد الله مخلص في دينه وعقيدته؟ الجواب لأمرين : الأول أن يفهم الناس والأجيال. وبالخصوص أعداء محمد الذين حاولوا أن يثنوه عن دعوته بكل وسيلة ـ أن محمدا هو رجل الحق والإيمان الراسخ ، وأن غايته من حياته أبعد الغايات وأسماها ، وهي هداية الخلق إلى الحق واحترام الناس وتحريره من العبودية لغير الله ، وخلاص الإنسانية من كل ما تعانيه وتقاسيه. الأمر الثاني أن لا يقول المسلمون في محمد ما قاله النصارى في السيد المسيح.
١٥ ـ (فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ) انه لكم بالمرصاد (قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) لأنها إلى جهنم وبئس المصير (وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) لأنهم إن كانوا من أهل النار فالخسارة مشتركة وإن كانوا من أهل الجنة تنقطع كل الصلات والعلائق.
١٦ ـ (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ) جمع ظلة أي ما يستظل به من حرّ أو برد (مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) ينزل العذاب من فوقهم إلى أسفلهم ، ويصعد من أسفلهم إلى فوقهم (ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ) يعلن سبحانه نقمته على المجرمين عسى أن يكفوا ويعفوا.
١٧ ـ ١٨ ـ (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ) مصدر بمعنى الطغيان ، ويطلق على رأس الضلال ، والمراد به هنا الأصنام ، ولذا عاد الضمير مؤنثا في (أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرى) أي النجاة لمن نبذ الشر وعمل صالحا وإن بدرت منه خطيئة تاب إلى الله (فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) هذا هو الإسلام في مبادئه وشريعته ، لا يمين ويسار ، ولا شيوعية ورأسمالية ، ولا ماضي وحاضر ، بل الأحسن والأفضل والأقوم والأكمل عقلا وإنسانية لحياة الفرد والمجتمع ، وفي الحديث الشريف : «الحكمة ضالة المؤمن ، أنى وجدها فهو أحق بها» تماما كالمريض يفتك به الداء ، ويريد له الدواء الشافي سواء أجاء من موسكو أو من واشنطن ، وقد حدد القرآن الكريم رسالة النبي الأعظم بهذه الآية : «يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ـ ١٥٧ الأعراف».
١٩ ـ (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ) كمن أنجاه الله منه (أَفَأَنْتَ) يا محمد (تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) كلا ، لا خلاص منها إلا بالعمل الصالح.
٢٠ ـ (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ ...) هذا على المألوف من كتاب الله ، يقرن الوعد بالوعيد ، فللمجرمين عذاب الجحيم ، وللمتقين جنات النعيم.
___________________________________
الإعراب : و (لِأَنْ أَكُونَ) أي من أجل أن أكون وقيل اللام زائدة. (اللهَ أَعْبُدُ) ، الله مفعول مقدم و (مُخْلِصاً) حال.