١٥ ـ (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً) المراد بالإحسان هنا ضد الإساءة بما يجرح النفس ويزعجها (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً) قاست الكثير من التعب والمشقة والكرب والحرج في حمله ووضعه وحضانته ، وتقدم في الآية ٢٣ الإسراء وغيرها (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) قال ابن كثير في تفسيره والشيخ المراغي : إن عليّ بن أبي طالب (ع) أول من استنبط من القرآن أن أقل مدة الحمل ستة أشهر ، فقد شكا رجل لعثمان بن عفان أن زوجته ولدت لستة أشهر ، فأمر برجمها فرجمت حتى الموت. فأتاه الإمام عليّ وقال له : أما تقرأ القرآن؟ قال : بلى. قال عليّ : إن الله يقول : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) ويقول : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) ـ ٢٣٣ البقرة» فلم يبق بعد الحولين إلا ستة أشهر. قال عثمان : والله ما فطنت لهذا. (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ) منتهى القوة ، وهو جمع بلا واحد أو واحد بصيغة الجمع كما في كتب اللغة (وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) وفي هذه السن تكتمل قوة الإدراك ، وتنمو بالتعلم والتجارب (قالَ) كل من بلغ سن الأربعين بلسان المقال أو الحال إن يك من أهل الخير والصلاح : (رَبِّ أَوْزِعْنِي) ألهمني ووفقني (أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ) وأهمها نعمة الدين والهداية إلى الحق ، وهذه الآية واضحة ، وتقدمت في النمل رقم ١٩.
١٦ ـ (أُولئِكَ) إشارة إلى (الَّذِينَ) يقولون هذا القول (نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ) أي منهم (أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) كل عمل لا يسيء به عامله إلى نفسه ولا إلى غيره فهو من أحسن أعماله (وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ) إن تابوا وأخلصوا (فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ) في بمعنى من ، والمجرور متعلق محذوف في محل نصب على الحال أي كائنين من أصحاب الجنة (وَعْدَ الصِّدْقِ) منصوب على المصدر ، والمعنى وعد الله وعد الصدق.
١٧ ـ (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما ...) لما ذكر سبحانه الولد المؤمن الصالح البار بوالديه الداعي لهما بالخير حيث أرشداه إلى الدين والإيمان ـ أشار إلى الولد الكافر الفاسد العاق بأبويه لا لشيء إلا لأنهما أرادا له الخير والهداية إلى سبيل النجاة وقالا له : آمن بالله وبالبعث وحسابه. فقال : (أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ) من قبري وأنا تراب ويباب (وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي) هل حدث ذلك لغيري في عصر من العصور الخالية؟ وتصدق هذه الآية على كثير من شباب الجيل المؤمن بالحرية الراقية المتفرنجة التي لا يحدها دين أو عقل أو خلق كريم؟ وهنا يكمن السبب الموجب للتصادم بين الآباء والأبناء ـ في الغالب ـ (وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ) يسألانه الهداية لولدهما (وَيْلَكَ) الهلاك لك (آمِنْ) أن البعث والحساب حق لا ريب فيه (فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ومع الأيام تطورت هذه الكلمة إلى كلمة «رجعية». ويقال : إن الطب الحديث في مقدوره أن يجعل المولود ذكرا أو أنثى تبعا لاختيار الزوجين. وأتمنى لو أن في مقدور الطب أو علم آخر أن يجعل المولود كريما في أخلاقه ، كاملا في سلوكه ذكرا كان أم أنثى ... أبدا لا وسيلة إلا الإيمان والالتزام بدين من أرسله الله ليتمم مكارم الأخلاق.
١٨ ـ (أُولئِكَ) إشارة إلى من عاند الحق ، وأعرض عن دعوته (الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ) ولهم العذاب الأليم.