٢١ ـ (وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) أيضا يعدكم الله مغانم أخرى وفتوحا كثيرة ، تعجزون الآن عن أخذها (قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها) حفظها لكم ، ولا بد أن تأخذوها في المستقبل القريب أو البعيد.
٢٢ ـ (وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) هذا وعد من الله سبحانه للذين آمنوا بأنهم إذا ناجزوا الكافرين لكان النصر للمؤمنين على الذين كفروا لا محالة ، لأن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ، وفي الآية ٤٧ من الروم : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) ولا تبديل لوعد الله وكلماته ، وما رأيت لهذه الآية تفسيرا يقنعني فيما لديّ من التفاسير ، والذي أفهمه أن المراد بالمؤمنين هنا الصحابة بقيادة الرسول الأعظم (ص) أو الذين هم كالصحابة في إيمانهم بقيادة من يرتضيه الله والرسول للقيادة ، والذي يؤكد هذا المعنى قوله تعالى بلا فاصل :
٢٣ ـ (سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) وسنن الله تعالى أن تجري المسببات على أسبابها والنتائج على مقدماتها ، والسبب الإلهي والطبيعي لنصر المقاتلين هو الإخلاص والصبر والبذل بقيادة من يختاره للقيادة الله ورسوله وصالح المؤمنين ، لا من يغتصب مركز القيادة بالوراثة أو الرشوة أو الخداع أو بالقهر والغلبة.
٢٤ ـ (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ...) دخل النبي (ص) فاتحا ، فأذعن له عتاتها واستسلموا ، وفي طليعتهم رأس الشرك أبو سفيان الذي جيّش الجيوش وقادها مرات ضد الرسول ، فامتن سبحانه على النبي والصحابة بهذا النصر من غير قتال حيث كف أيدي المشركين بإلقاء الرعب في قلوبهم ، وكفّ أيدي المسلمين بالنهي عن القتال.
٢٥ ـ (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) هؤلاء العتاة من مشركي مكة الذين أذعنوا لكم أيها المسلمون واستسلموا صاغرين هم بالذات الذين (صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) عام الحديبية (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) الهدي : ما يهدي إلى بيت الله من الانعام ، وكان مع المسلمين عام الحديبية سبعون ناقة ، والمعكوف : المحبوس ، ومحله : موضع الذبح أو النحر ، وهو مكة ، وسبقت الإشارة إلى أن المشركين منعوا المسلمين من الإحرام في ذاك العام (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ) أن تقتلوهم يقول سبحانه للمسلمين الذين دخلوا مكة : إنما نهاكم الله عن القتل ، لأن في مكة جماعة من المسلمين رجالا ونساء. كتموا إيمانهم خوفا من المشركين ، ولو دارت رحى الحرب لقتلتم بعض إخوانكم في الدين جهلا وخطأ (فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ) مساءة ومشقة (بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي تقتلونهم بغير علم بإسلامهم ، فيشق عليكم ذلك وتتألمون (لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) المراد بالرحمة هنا الإسلام ، والمعنى أن الله سبحانه هيأ أسباب الأمن والسلام في مكة لتدخل قريش في الإسلام طوعا أو كرها ، وهكذا كان و (لَوْ تَزَيَّلُوا) لو تميّز المؤمنون عن الكافرين (لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ) ولا يرجى دخولهم في الإسلام إطلاقا ، وبعض هؤلاء فرّ من مكة في اللحظة التي دخلها المسلمون.
٢٦ ـ (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ) يشير سبحانه إلى عتاة الشرك وجبروتهم وتعصبهم وما تحمله