النبي والصحابة من عداوتهم وإيذائهم (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) المراد بالسكينة القناعة بحلال الله ، والصبر عن حرامه (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى) أوجب سبحانه على كل مسلم العمل بكتاب الله وسنة نبيه (وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها) من آمن بالعليم الحكيم ، وبالنبي الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق ، وبالقرآن الذي يهدي للتي هي أقوم ـ فهو أولى الناس في أن يتقي معاصي الله وحرامه.
٢٧ ـ (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا) أي في الرؤيا ، قبل أن يخرج النبي (ص) إلى الحديبية رأى في منامه أنه دخل مكة هو والصحابة معتمرين ، وطافوا في البيت العتيق بسلام آمنين ، وقد حلق بعضهم وقصّر آخرون ، فأخبر النبي الصحابة بما رأى ، وحين سار بهم متجها إلى مكة ظنوا أن هذا تفسير رؤياه ، ولما حدث ما حدث من صلح الحديبية وعاد المسلمون قال المنافقون : أين هي الرؤيا؟ فأجاب النبي (ص) : لم أقل في هذا العام ، ويأتي تأويل الرؤيا لا محالة ، وفي العام التالي بلا فاصل دخل الرسول مكة هو والصحابة معتمرين ، ومكثوا ثلاثة أيام وظهر صدق الرؤيا كما قال سبحانه : لقد صدق الله رسوله الرؤيا ... وتسمى هذه العمرة عمرة القضاء (فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا) علم الله أن في تأجيل العمرة إلى ما بعد صلح الحديبية خيرات ومنافع للإسلام والمسلمين ، منها حقن الدماء ، ومنها دخول العديد من المشركين في الإسلام (فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً) ذلك إشارة إلى صدق الرؤيا بدخول المسلمين المسجد الحرام ، والفتح القريب صلح الحديبية بدليل أن عمر قال لرسول الله (ص) : أفتح هذا؟ فأجابه : بل هو أعظم الفتوح. وبعد هذا الفتح الأعظم السنة السادسة من الهجرة كما سبقت الإشارة ، جاء الفتح الثاني بعمرة القضاء السنة السابعة ، وبعدها الفتح الثالث بدخول مكة والسيطرة عليها السنة الثامنة ، ثم حجة الوداع السنة العاشرة ، وفي ربيع الأول من الحادية عشرة انتقل الرسول (ص) إلى الرفيق الأعلى.
٢٨ ـ (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ) محمدا (بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) لا بقوة الجيش والسلاح ، ولا بالمال والدعايات الخادعة ، بل بعقيدته التي تخاطب العقل والفطرة وتستنهض الفكر ، وتقدس العلم ، وبشريعته الخالدة بمبادئها ، ومقاصدها وتوجهها إلى الإنسان كهدف أسمى وقيمة عظمى ، ومن تتبع الآيات القرآنية والسنة النبوية وكتب الفقه الإسلامي ينتهي إلى العلم بهذا المبدأ : «حيثما يكون خبر الإنسان يكون شرع الإسلام». (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) ـ ٣٠ النحل» أنزل ربنا قرآنا كله خير فيما اشتمل عليه من عقيدة وشريعة وأخلاق تدفع الإنسان إلى الكفاح والنضال من أجل حياة أكمل وأفضل ٢٩ ـ (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) جنود للحق وأهله ، وحرب على الباطل وحزبه ، وضرب طه حسين مثلا للصحابة بعمار بن ياسر في كتاب مرآة الإسلام ، وقال : كان شيخا بلغ التسعين أو تجاوزها ، ومع ذلك قاتل مع عليّ في صفين عن إيمان أي إيمان بأنه يدافع عن الحق ... وكان قتله تثبيتا لعليّ والصالحين وتشكيكا في معاوية ومن معه لأن كثيرا من الصحابة رأوا النبي يمسح رأس عمار ويقول له : تقتلك الفئة الباغية. (ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ