١٢ ـ (يَسْئَلُونَ) يسأل منكروا البعث ساخرين : (أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) يوم القيامة ، فأجابهم سبحانه بقوله :
١٣ ـ (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) يعذبون.
١٤ ـ ١٥ ـ (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) عذابكم (الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) ومنه تسخرون ، فكيف رأيتم مذاقه ومحاقه.
١٦ ـ (آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) المجرمون يعصون الله سبحانه ، ومع ذلك يرجون خيره ، ولا يخشون أن يكونوا مردودين عنده ، أما المتقون فقد أطاعوا الله ، وأعطوه الكثير من أنفسهم وأعمالهم ، وهم خائفون من غضبه لأنهم ـ كما يشعرون ـ مقصرون عن طاعته ولا يستحقون شيئا من رحمته ، ولما رأى سبحانه منهم هذا الخوف والإخلاص ، أفاض عليهم من فضله ، ومدحهم بقوله : (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ) أحسنوا من قبل فأحسن الله إليهم من بعد ، وهكذا يتعامل سبحانه مع عباده ، يعملون صالحا ، ثم يدخلون الجنة ، يدفعون الثمن سلفا ، ثم يقبضون المثمن ، ولا نسيئة.
١٧ ـ (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) الهجوع : النوم ، والمعنى أن شعورهم بالمسؤولية كان يمنعهم من النوم ليلا إلا لحظات خوفا أن يبيتوا والله عليهم غاضب وناقم لتقصيرهم ، على العكس من المجرمين الذين لا همّ لهم ولا شاغل إلا الشهوات والملذات.
١٨ ـ (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) الله من التقصير ، ويسألونه الهداية والعون على العمل بطاعته ومرضاته ، فلا ينطقون إلا بالحق والصدق ، ولا يتعاطون أي عمل يسيء إلى مخلوق.
١٩ ـ (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) لا أحد يستطيع أن يتصور مجتمعا قويا وسعيدا ، وفيه فريق يقاسون ألوانا من البؤس والحرمان ، وآخرون يملكون أكثر مما يحتاجون وأكد الرسول الأعظم (ص) هذه الحقيقة بقوله : «المؤمنون كرجل واحد ، إذا اشتكت عينه اشتكى كله ، وإذا اشتكى رأسه اشتكى كله» وعلى هذا الأساس جعل سبحانه للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم ، على سبيل الحق الذي لا يقبل الإبطاء والتأخير ولا التهاون والتسويف لا على سبيل المنحة والإحسان من الأعلى إلى الأدنى ٢٠ ـ ٢١ ـ (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ) تربط هذه الآية وما بعدها بين الإيمان من جهة والحس والعقل من جهة ثانية ، إذ تقول بصراحة : انظر بعينك ، واستنبط بعقلك ، وآمن بما يوحي عقلك.
٢٢ ـ (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) لا أحد يعلم بالضبط واليقين ما ذا يأتيه غدا من دخل ورزق مهما كانت مهنته ، وأيضا لا يدري صاحب النعمة أتدوم له أو تزول ، ولا البائس هل يزداد بؤسا أو يتحول إلى غني وثري؟
٢٣ ـ ٢٥ ـ (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) أقسم سبحانه بعزته وجلاله ، وعظمته وكماله إن الله حق ، والبعث حق ، والقرآن حق ، والنبوة حق تماما كقول القائل : أنا أتكلم وأفكر فأنا موجود. و «قاتل الله أقواما أقسم لهم ربهم ثم لم يصدقوا» كما قال سيد الكونين (ص) وروي أن أعرابيا قال حين سمع هذه الآية : من الذي أغضب الجليل حتى ألجأه إلى اليمين ، وتسأل : هل تثبت الدعوى بمجرد اليمين؟ ونجيب : تفصل الدعوى بالبينات والأيمان ، والأولى على المدعي والثانية على المنكر ، وعلم القاضي بواقع الحال يغني عنهما معا ـ كما نرى ـ فكيف