فالله سبحانه هو الوارث الوحيد ، وإذن علام الإمساك عن الإنفاق في سبيل الله؟ (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ) المراد بالفتح هنا فتح مكة ، والطرف الآخر لعدم المساواة محذوف لدلالة الكلام عليه ، والمعنى فرق بعيد من حيث المكانة عند الله بين من جاهد بنفسه وماله في سبيل الله قبل فتح مكة حيث كان الإسلام ضعيفا ، وبين من جاهد بعد هذا الفتح حيث أصبح الإسلام ذا عزة ومناعة ، وبكلمة فرق بعيد بين اخوان الضيق واخوان الرخاء. (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) لكل من الباذل السابق واللاحق أجر ، ولكن تبعا لما ترك بذله من آثار ، فقد تكون الصدقة بدرهم واحد أعظم أجرا عند الله من الصدقة بألف إذا صادف الدرهم معدة جائعة ، وأعطى الألف لمن يتركه ميراثا للأبناء والأصهار (وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) ـ ٣٢ المائدة».
١١ ـ (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) وتسأل : المال مال الله ، والفقراء عيال الله ، والأغنياء وكلاء الله على عياله ، وعليه فلا وجه للقرض؟ الجواب : الغرض من التعبير بالقرض أن يخرج المنفق زكاة أمواله خالصة لوجه الله ، وعن طيب نفس من غير منّ ولا أذى.
١٢ ـ (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) يتولد غدا من البذل والجهاد لوجه الله والحق نور يشع بين يدي الباذل المجاهد وعن يمينه وشماله تماما كما تتولد الكهرباء من آلاتها ومفاعلها (بُشْراكُمُ الْيَوْمَ ...) يخرج غدا المخلصون من قبورهم ، ونور الإخلاص يكشف لهم طريق الإيمان ، وقبل أن يصلوا إلى الغاية يأتيهم النداء : ابشروا بالجنة.
١٣ ـ (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) الإيمان نور ، والنفاق ظلام ، ولذا يسرع المؤمنون في خطاهم إلى الجنة ، ويمشي المنافقون كالأعمى. فيقول المنافقون للمؤمنين : تمهلوا لنسير على نوركم ، فتقول لهم الملائكة : (قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً) ارجعوا إلى الشيطان اقتبسوا من نوره ، فقد كان رائدكم في الدنيا وقائدكم (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) السور : الحاجز ، والرحمة هنا : الجنة ، وقبله : جهته ، والعذاب : جهنم ، وغدا يفصل بين المؤمنين الأخيار والمنافقين الأشرار بسور ، له جهتان : جهة باطنة وفيها الجنة يدخلها المؤمنون من باب السور ، وجهة ظاهرة تليها النار وفيها أهل الشر والنفاق.
١٤ ـ (يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) المنافقون في النار ينادون المؤمنين قائلين : نحن وأنتم كنا نقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فلما ذا أنتم في الجنة ونحن في النار؟ (قالُوا) أي المؤمنون للمنافقين : (بَلى) ولكن اتخذتم
___________________________________
الإعراب : (ما لَكُمْ) مبتدأ وخبر لأن معناه أي شيء حدث لكم؟ والمصدر من (أَلَّا تُنْفِقُوا) مجرور بحرف جر مقدر أي في عدم الإنفاق ، ويتعلق بما تعلق به لكم. و (مَنْ أَنْفَقَ) «من» فاعل لا يستوي. وفي الكلام حذف ، أي ومن أنفق بعد الفتح. و (كُلًّا) مفعول أول لوعد ، و (الْحُسْنى) مفعول ثان. و (مَنْ) مبتدأ و (ذَا) خبر و (الَّذِي) بدل من ذا.