الشعور بالمسؤولية عن شيء بمثابة الجحود لأصل الوجود».
٣ ـ ٤ ـ (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) نفى البعث بزعم أن من مات فات ويستحيل أن يعود إلى الحياة مرة ثانية ـ هو قول بلا علم ، لأن السبب الموجب الذي بدأ الحياة وأنشأها أول مرة في جسم الإنسان يعيدها إليه بعد أن يجمع أجزاءه وأعضاءه بالكامل مع جميع صفاته وخصائصه حتى خطوط الأصابع وبصماتها ، وهذا هو المراد بقوله تعالى : (بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) والقول بإمكان الوجود للحياة دون الثاني تناقض تماما كقول من يقول : إن الشيء ليس بشيء بل هو غير نفسه! وهذا هو الهراء والهذيان ، وتقدم في الآية ٥٧ من الواقعة وغيرها.
٥ ـ (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) الفجور : الذنوب ، وأعظمها الكفر بالله واليوم الآخر ، ولذا قال سبحانه بعد ذكر الفجور مباشرة :
٦ ـ (يَسْئَلُ) منكر البعث ساخرا (أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) متى أوانه؟
٧ ـ ٩ ـ (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) قال الجاحد المعاند : متى يوم القيامة؟ فأجابه سبحانه ذاكرا بعض أهوال هذا اليوم وشدائده ، وهي أن يزيغ البصر جزعا وهلعا ، ويذهب نور القمر ، ويصطدم بالشمس لخراب الكون ١٠ ـ (يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ) من هذه الكارثة ١١ ـ (كَلَّا لا وَزَرَ) لا ملجأ ولا مفر.
١٢ ـ (إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) هو وحده المرجع والمفزع ١٣ ـ (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) بما فعل من شر ، وترك إلى خير ، أما فاعل الخير وتارك الشر فيستقبل بالاحترام والتكريم ، ويزف بكل حفاوة إلى جنات النعيم.
١٤ ـ (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) على أن الإنسان يعلم ما فعل وترك ، ولا يحتاج إلى من يخبره بذلك.
١٥ ـ (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) هو على علم بنفسه حتى ولو أنكر واعتذر.
١٦ ـ (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ) لتعجل به كان النبي (ص) يتابع جبريل في القراءة حين يتلقى الوحي مخافة أن يفوته شيء منه ، فأمره سبحانه أن يستمع ولا يقرأ ، وهو يعصمه من الخطأ والنسيان.
١٧ ـ (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) هذا عهد من الله أن يجمع القرآن في قلب محمد ، ويثبته عن لسانه.
١٨ ـ (فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) ما عليك إلا أن تصغي بكلك لتلاوته.
١٩ ـ (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) وأيضا على الله سبحانه أن يلهمك يا محمد ويفهمك معاني القرآن وأسراره وأهدافه كما هي في علمه تعالى ، وتقدم في الآية ١١٤ من طه ٢٠ ـ ٢١ ـ (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ) كلا ـ أيها المكذبون بالبعث ـ ما هو بمحال كما تزعمون. وإنما كذبتم به لأنه يلجمكم عن الشهوات والمحرمات ، وأنتم تعبدونها أية عبادة وتؤثرونها أي إيثار ٢٢ ـ (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) يومئذ : يوم القيامة ، وناضرة : من النضارة والجمال.
٢٣ ـ (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) بالبصيرة لا بالبصر ، بالعقول والإيمان لا بالعيون والعيان. انظر التفسير الكاشف ج ١ ص ١٠٧.