ولازمه اختصاص نفى الحرج والضرر بموارد لم يدل على خلافه دليل أصلا ، لا عموما ولا خصوصا وفساد هذا القول أيضا ظاهر لمنافاته لما عرفت من تمسك الأئمة عليهمالسلام بعموم نفى الحرج لنفى كثير من الاحكام في موارد يستلزم العسر والحرج وتخصيص أدلتها به ، ولسيرة كثير من الفقهاء رضوان الله عليهم ، ولظاهر عمومات نفى الحرج والضرر الواردة في مقام الامتنان الابية عن مثل هذه التخصيصات الكثيرة.
أضف اليه ان النسبة بينها وبين الأدلة المثبتة للأحكام عموم من وجه. فلا وجه لتقديمها على عمومات نفى الحرج والضرر.
واما ما احتمله المحقق النراقي (قده) من ان المستفاد من كلامه كون قاعدة نفى الحرج من باب أصل البراءة فيكون تقديم ما ثبت بأدلة الاحكام من باب تقديم الأدلة الاجتهادية على الأصول العملية مع انه بعيد عن مساق كلامه ، ظاهر الفساد ، لأن الأصول العملية ناظرة إلى بيان وظيفة الشاك ؛ وليس في أدلة نفى الحرج والضرر من الشك عين ولا اثر.
الثالث ـ ان العسر والحرج يختلف باختلاف العوارض الخارجية فقد يكون شيء عسرا وحرجا ولكن يكون باعتبار أمر خارجي سهلا ويسرا ؛ ومن الأمور الموجبة لسهولة كل عسر ، وسعة كل ضيق ، مقابلته بالعوض الكثير والأجر الجزيل ، ولا شك ان كل ما كلف الله سبحانه به من التكاليف يقابله ما لا يحصى من الأجر ، قال تعالى (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) ؛ وعلى هذا لا يكون شيء من التكاليف عسرا وحرجا ، فكل ما كلف الله به من الأمور الشاقة ظاهرا فقد ارتفعت مشقتها بما وعدلها من الأجر الجميل والثواب الجزيل (انتهى).
وفيه ـ ان لازمه أيضا سقوط أدلة نفى الحرج عن جواز الاستدلال بها رأسا لأن كل ما ورد الأمر به أو النهي عنه ففي امتثال امره ونهيه أجر الهى بالملازمة الثابتة من حكم العقل فلا يصح نفيه بأدلة نفى الحرج ؛ بل تكون هذه الأدلة لغوا بالمرة ولا يبقى لقوله تعالى (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) معنى ، الا ان يكون المراد نفى التكاليف المشتملة على المشقة الخالية عن الأجر والثواب ولكنه يرجع الى توضيح أمر واضح.