وثانيا ـ ان وصف الصحة ـ على ما هو التحقيق ـ ليست من الأوصاف الحقيقية العارضة للعمل حقيقة ، مثل عروض العلم والبياض للإنسان والثلج ، بل هو أمر انتزاعي ينتزع من وجود الشيء جامعا لجميع اجزائه وشرائطه ، ففقدانها انما هو بفقدان جزء من اجزائه أو شرط من شروطه ، ومن المعلوم ان الجعل لا يتعلق بها الا باعتبار منشأ انتزاعها.
فالشك في الصحة يرجع لا محالة إلى الشك في وجود جزء أو شرط بمفاد كان التامة ، فإذن لا يبقى فرق بين متعلق الشك في مورد قاعدة الفراغ ؛ والتجاوز ، فان متعلقه في كل منهما هو الوجود بمفاد كان التامة فتدبر.
وثالثا ـ انه لا يلزم الجمع بين الحاظين لإمكان إرجاع قاعدة الفراغ الى ما هو مفاد كان التامة ؛ بأن يجعل متعلق الشك نفس صحة العمل ، لا اتصاف العمل بالصحة ، والفرق بينهما ظاهر ، لرجوع الأول إلى مفاد كان التامة والثانية إلى مفاد كان الناقصة.
ذكر هذا الوجه الأخير المحقق النائيني (قده) وارتضى به في آخر كلامه بعد ما أورد عليه في أوله بوجهين
__________________
ـ مديون يطلب بدينه يبتغى عين الذهب
كل أولئك يأتون بابه وكل واحد منهم يستفيد منه بما يسد به خلته وبرفع حاجته.
ومن الواضح ان لفظة «العين» في المصراع الأخير استعمل في أربع معان :
العين بمعنى الشمس ، والباصرة ، والنابعة ، وبمعنى الذهب ، كل واحد لو احد من الطوائف الأربع ،.
ولا يخفى على العارف بأساليب الكلام ولطائفها ومن له نصيب من قريحة الشعر وذوق الأدب ، أن لطف هذا الشعر انما هو باستعمال لفظ العين في معان اربع كل واحد مستقل عن الأخر. وإرجاع جميع هذه المعاني إلى معنى جامع قريب أو بعيد مع انه يذهب بلطف الشعر وطراوته ، مخالف للوجدان لعدم انسباقه الى الذهن عند إطلاقه ، ولو كان كذلك لا نسبق اليه بلا تأمل.
كما ان تأويله إلى المسمى به «العين» يأباه الطبع السليم والقريحة الوقادة ولا ينسبق الى الذهن أيضا من اللفظ بالوجدان. وقد أوضحنا جواز استعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنى بدفع جميع ما ذكروا فيه من الاشكال فيما كبناه في «الأصول اللفظية»