باب حديث الطير ، وأنّه ليس بين أيدينا إلاّ حكمه بوضعه ... فالحقيقة أنّه لا تأثير لكلامه ولا قيمة له حتى يعتمد عليه في مقام ردّ هذا الحديث ، لأنّ كبار المحققين من أهل السنّة لم ينظروا إلى كلامه في موارد كثيرة من الجرح والتعديل بعين الاعتبار ، لفرط تعصّبه ، حتى خشي عليه بعض تلامذته يوم القيامة من غالب علماء المسلمين ... وإليك شواهد من كلماتهم في هذا الباب :
قال السبكي بترجمة أحمد بن صالح المصري : « وممّا ينبغي أن يتفقّد عند الجرح حال العقائد واختلافها بالنسبة إلى الجارح والمجروح ، فربّما خالف الجارح المجروح في العقيدة فجرحه لذلك ، وإليه أشار الرّافعي بقوله : وينبغي أن يكون المزكّون برآء من الشحناء والعصبيّة في المذهب ، خوفا من أن يحملهم ذلك على جرح عدل أو تزكية فاسق ، وقد وقع هذا لكثير من الأئمة ، جرحوا بناء على معتقدهم وهم المخطئون والمجروح مصيب.
وقد أشار شيخ الإسلام ، سيد المتأخرين تقي الدين بن دقيق العيد في كتابه ( الاقتراح ) إلى هذا وقال : أعراض المسلمين حفرة من حفر النار ، وقف على شفيرها طائفتان من النّاس : المحدّثون والحكّام.
قلت : ومن أمثلته قول بعضهم في البخاري : تركه أبو زرعة وأبو حاتم من أجل مسألة اللّفظ ، فيا لله والمسلمين! أيجوز لأحد أن يقول : البخاري متروك؟ وهو حامل لواء الصناعة ومقدّم أهل السنّة والجماعة ، ويا لله والمسلمين! أتجعل ممادحه مذام؟! فإنّ الحقّ في مسألة اللّفظ معه ، إذ لا يستريب عاقل من المخلوقين في أنّ تلفظّه من أفعاله الحادثة التي هي مخلوقة لله تعالى؟ وإنّما أنكرها الإمام أحمد لبشاعة لفظها.
ومن ذلك قول بعض المجسّمة في أبي حاتم ابن حبان : لم يكن له كثير دين! نحن أخرجناه من سجستان لأنّه أنكر الحدّ لله. فليت شعري! من أحق بالإخراج؟ من يجعل ربّه محدودا أو من ينزّهه عن الجسميّة!