فما ذا ينكر من دلالة حديث الطّير على الأحبيّة الدالّة على الأفضليّة؟ وانّها تجعل هذه الدلالة قادحة في صحة الحديث! كما نقل عن الحاكم.
ويقرب أنّ الحافظ أبا عبد الله الحاكم ما أراد إلاّ الاستدلال على ما يذهب إليه من أفضليّة علي رضياللهعنه ، بتعليق الأفضليّة على صحة حديث الطير ، وقد عرف أنّه صحيح ، فأراد استنزال الخصم إلى الإقرار بما يذهب إليه الحاكم فقال : لا يصح ، ولو صحّ لما كان أحد أفضل من علي رضياللهعنه بعده صلّى الله عليه وسلّم ، وقد تبيّن صحته عنده وعند خصمه ، فيلزم تمام ما أراده من الدليل على مذهبه هذا.
وفي حديث الطير معجزة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم باستجابة دعائه في إتيانه صلّى الله عليه وسلّم بأحبّ الخلق.
وفيه دلالة على أن أحبّ الخلق إلى الله علي ، فإنّه مقتضى استجابة الدعوة ، وأنّه لا أرفع منه درجة في الأحبيّة عنده تعالى بعد رسوله صلّى الله عليه وسلّم ، لأنّه صلّى الله عليه وسلّم دعا ثلاث مرّات ، وكلّها يأتي فيها علي رضياللهعنه لا غيره ، ويرجع من طريقه مرة بعد مرة ، يردّه أمر الله والدعوة النبويّة ، وألقى في قلب أنس ردّه له رضياللهعنه مرة بعد مرة ، ليظهر الأمر الإلهي والدعوة النبويّة ، إذ لو فتح له عند أوّل مرة لربّما قيل اتّفق أنّه وصل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اتّفاقا ، فما وقع الترديد من أنس والتردّد منه رضياللهعنه إلاّ ليعلم اختصاصه ، وأنّه لو كان غيره في رتبته رضياللهعنه لجاء به له أو معه ، إذ ليست الدعوة مقصورة على أحد.
وقد قدّمنا في حديث المحبّة بحثا نفيسا في حديث خيبر فلا نكرّره ، وأشار الإمام المنصور بالله إلى حديث الطير بقوله :
ومن غداة الطير
كان الذي |
|
خصّ بأكل
الطّائر المشتوي » (١) |
__________________
(١) الروضة الندية ـ شرح التحفة العلوية.