الخلاف ـ ثم قال أيضا في شرح تردد المصنف : لا ريب في أن للنفقة تعلقا بالعقد والتمكين جميعا ، فإنها لا تجب قبل العقد وتسقط بالنشوز بعده ، واختلف في أنها بم تجب؟ فقيل بالعقد كالمهر ـ إلى أن قال ـ : وقيل : لا يجب بالعقد مجردا بل بالتمكين » إذ لو لم يرجع حاصله إلى ما ذكرناه كان بلا حاصل.
وكيف كان فغاية ما ذكروه دليلا لذلك أن اشتراط هذا الشرط معروف بين الأصحاب ، بل كاد يكون إجماعا ، مع أنا لم نقف على مخالف فيه صريحا ولا ظاهرا إلا ما ربما يستفاد من تردد المصنف واستشكال الفاضل في القواعد ، وهو بمجرده لا يوجب المخالفة ، مع تصريح الأول بأن اعتباره هو الأظهر بين الأصحاب بكلمة الجمع المفيد للعموم الظاهر في الإجماع ، ونحوه شيخنا الشهيد في المسالك ، وأظهر من كلامه ثم كلامه في الروضة ، فاختار المصير إلى اعتباره بعد المناقشة في دليله معتذرا بعدم ظهور مخالف فيه ، وجعله وسيلة لاختياره ، وهو ينادي باجماعيته ، فان دأبه عدم جعل الشهرة بل ولا عدم ظهور الخلاف بمجرده دليلا وإن وجد له من الأخبار الغير الصحيحة شاهدا فحكمه ثم بالمصير لأجله قرينة واضحة على بلوغه حد الإجماع ودرجته ، وهو الحجة فيه بعد الأصل المؤيد بل المعتضد بظاهر الأمر بالمعاشرة بالمعروف (١) الظاهر في اختصاص الأمر بالإنفاق بما تقتضيه العادة ، وليس من مقتضياتها الوجوب إلا بعد التمكين كما هو المشاهد من أهلها ، فإنهم ينكحون ويتزوجون من غير إنفاق إلى الزفاف مع عدم اختلاف من الزوجات وأهلهن فيه مع الأزواج المستمرين ، وربما يؤخذ ذلك من المسلمين إجماعا ، ويجعل مثله وفاقا وربما يحلق بالضرورة قطعا ، وقد جعل هذا من فروع التمكين ، ومع ثبوت حكمه يثبت غيره من الفروع جدا ، لعدم القائل بالفرق أصلا فتأمل جيدا.
وربما أيد اعتباره أيضا ، بل قيل : إنه لا يبعد جعله دليلا ما روى عن النبي
__________________
(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ١٩.