قال السدي : ( من وراء حجاب ) ، أن يحجبه عن إدراك جميع الخلق ، إلّا عن المكلّم الذي يسمعه (١). وأيد الجبائي ذلك ، واستدل عليه بتكليم موسى عليهالسلام ، فهو تعالى ( حجب ذلك عن جميع الخلق إلّا موسى عليهالسلام وحده في كلامه إياه أولاً ، فأما كلامه في المرة الثانية ، فإنّه إنّما سمع ذلك موسى والسبعين الذين كانوا معه ، وحجب عن جميع الخلق سواهم ) (٢). ويتوصل الجبائي من ذلك إلى أن الحجاب هنا كان للكلام الذي هو ما حجب عن الناس.
٢ ـ وذهب مفسرون آخرون كالقاضي أبي بكر الباقلاني وغيره إلى أن الحجاب في الآية يراد به حجب المتكلم عن النظر إلى الباري تعالى ، فالمكلّم يسمع الكلام ولا يرى المتكلّم (٣).
وهذا الرأي والذي سبقه ليسا بشيء ، لانطلاقهما من أصول فاسدة كما لا يخفى.
٣ ـ وقال السيد الشريف المرتضى أن الحجاب جائز أن يصرف إلى غيره تعالى ممن يجوز عليه ، وينزّه الباري عن مثل ذلك فيجوز أن يكون المراد هنا أنه تعالى يفعل الكلام في جسم محتجب عن المكلم غير معلوم له على التفصيل ( فيسمع المخاطب الكلام ولايعرف محله على طريق التفصيل ) (٤).
٤ ـ ورأي آخر قال به السيد الشريف المرتضى أيضا بأن الحجاب جائز أن يراد به البعد والخفاء ونفي الظهور وعبارة عما تدل عليه الدلالة ، فكأن
________________
(١) التبيان ٩ : ١٧٧.
(٢) انظر : أمالي المرتضى ٢ : ٢٠٦ ، ومجمع البيان ٩ : ٣٧.
(٣) انظر : الإنصاف / الباقلاني : ٩٥.
(٤) أمالي المرتضى ٢ : ٢٠٥.