منه ، والأصل في باب المفاعلة أن تكون من اثنين فصاعدا يفعل أحدهما بصاحبه ما يفعل هو به ، فكل واحد فاعل ومفعول من حيث المعنى. والْمُكَاتَبَةُ المستحبة مع العلم بخيرية المملوك مشتركة بين العمل الصالح وبين المال ، فمن حمل المشترك على معنييه حمله عليهما ومن لا فلا.
وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى ( فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ) قَالَ : إِنْ عَلِمْتُمْ لَهُمْ مَالاً.
وَفِي آخَرَ عَنْهُ قَالَ : إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ دِيناً وَمَالاً.
قيل والمراد بالعلم هنا الظن المتآخم للعلم.
وَفِي حَدِيثِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِ : « كَاتِبْ مَوْلَاكَ ».
أي اشتر نفسك منه بتخمين أو أكثر. ومِنْ قِصَّتِهِ أَنَّهُ فَارِسِيٌّ هَرَبَ مِنْ أَبِيهِ طَلَباً لِلْحَقِّ وَكَانَ مَجُوسِيّاً فَلَحِقَ بِرَاهِبٍ فَخَدَمَهُ وَعَبَدَ رَبَّهُ مَعَهُ حَتَّى مَاتَ ، وَدَلَّهُ عَلَى آخَرَ لَزِمَهُ حَتَّى مَاتَ ، وَدَلَّهُ عَلَى آخَرَ وَهَلُمَّ جَرّاً إِلَى أَنْ دَلَّهُ آخَرُ عَلَى الْحِجَازِ وَأَخْبَرَهُ بِأَوَانِ ظُهُورِ النَّبِيِّ (ص) فَقَصَدَهُ مَعَ بَعْضِ الْأَعْرَابِ فَغَدَروُا بِهِ فَبَاعُوهُ مِنْ يَهُودِيٍّ فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْضَةَ فَقَدِمَ بِهِ الْمَدِينَةَ فَأَسْلَمَ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ (ص) « كَاتِبْ مَوْلَاكَ ». عَاشَ مِائَةَ وَخَمْسِينَ سَنَةً ، وَمَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ.
وَفِي الْحَدِيثِ : « كُتِبَ فِي الذِّكْرِ كُلُّ شَيْءٍ ».
أي قدر كل الكائنات وأثبتها في الذكر ، أي اللوح المحفوظ. وكَتَبْتُ كَتْباً من باب قتل ، وكِتْبَةً بالكسر وكِتَاباٍ ، والاسم الْكِتَابَةُ بالكسر لأنها صِنَاعَةٌ كالتجارة والعطارة.
وَفِي حَدِيثٍ الْكِتَابَةُ » هِيَ مِمَّا أَنْعَمَ اللهُ بِهِ عَلَى الْإِنْسَانِ تُفِيدُ أَخْبَارَ الْمَاضِينَ لِلْبَاقِينَ وَأَخْبَارَ الْبَاقِينَ لِلْآتِينَ ، وَبِهَا تُخَلَّدُ الْكُتُبُ للعلوم وَالْآدَابِ وَغَيْرِهَا ، وَبِهَا يَحْفَظُ الْإِنْسَانُ ذِكْرَ مَا يَجْرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنَ الْمُعَامَلَاتِ وَالْحِسَابِ ، وَلَوْلَاهَا لَانْقَطَعَ أَخْبَارُ بَعْضِ الْأَزْمِنَةِ عَنْ بَعْضٍ وَأَخْبَارُ الْغَائِبِينَ عَنْ أَوْطَانِهِمْ وَدَرَسَتِ الْعُلُومُ وَضَاعَتِ الْآدَابُ ، وَعَظُمَ مَا يَدْخُلُ عَلَى النَّاسِ مِنَ الْخَلَلِ فِي أُمُورِهِمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ وَمَا يَحْتَاجُونَ إِلَى النَّظَرِ فِيهِ مِنْ أُمُورِ