َأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) [٣ / ٦١ ] قال الشيخ أبو علي ( فَمَنْ حَاجَّكَ ) من النصارى ( فِيهِ ) أي في عيسى عليه السلام ( مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا ) هلموا ( نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ ) أي يدعو كل منا ومنكم أبناءه ونساءه ومن نفسه كنفسه أي المباهلة ( ثُمَّ نَبْتَهِلْ ) أي نتباهل ، أي نقول : بُهَلَةُ الله على الكاذب منا ومنكم و « البُهَلَةُ » بالضم والفتح : اللعنة ، هذا هو الأصل ثم استعمل في كل دعاء يجتهد فيه وإن لم يكن التعانا.
ثُمَّ قَالَ : نَزَلَتِ الْآيَاتُ فِي وَفْدِ نَجْرَانَ الْعَاقِبِ وَالسَّيِّدِ وَمَنْ مَعَهُمَا ، وَلَمَّا دَعَاهُمُ النَّبِيُّ (ص) إِلَى الْمُبَاهَلَةِ قَالُوا : حَتَّى نَرْجِعَ وَنَنْظُرَ ، فَلَمَّا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا لِلْعَاقِبِ وَكَانَ ذَا رَأْيِهِمْ : يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ مَا تَرَى؟ قَالَ : وَاللهِ لَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنَّ مُحَمَّداً نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْفَصْلِ مِنْ أَمْرِ صَاحِبِكُمْ ، وَاللهِ مَا بَاهَلَ قَوْمٌ نَبِيّاً قَطُّ فَعَاشَ كَبِيرُهُمْ وَلَا نَبَتَ صَغِيرُهُمْ ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا إِلْفَ دِينِكُمْ فَوَادِعُوا الرَّجُلَ وَانْصَرِفُوا إِلَى بِلَادِكُمْ ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ غَدَا النَّبِيُّ آخِذاً بِيَدِ عَلِيٍّ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عليه السلام بَيْنَ يَدَيْهِ وَفَاطِمَةُ عليه السلام خَلْفَهُ ، وَخَرَجَ النَّصَارَى يَقْدُمُهُمْ أُسْقُفُّهُمْ أَبُو حَارِثَةَ ، فَقَالَ الْأُسْقُفُّ : إِنِّي لَأَرَى وُجُوهاً لَوْ سَأَلُوا اللهَ أَنْ يُزِيلَ جَبَلاً لَأَزَالَهُ بِهَا فَلَا تُبَاهِلُوا فَلَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ نَصْرَانِيٌّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَقَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّا لَا نُبَاهِلُكَ وَلَكِنْ نُصَالِحُكَ ، فَصَالَحَهُمْ رَسُولُ اللهِ ص عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا إِلَيْهِ فِي كُلِّ عَامٍ أَلْفَيْ حُلَّةً أَلْفٌ فِي صَفَرٍ وَأَلْفٌ فِي رَجَبٍ وَعَلَى عَارِيَّةِ ثَلَاثِينَ دِرْعاً وَعَارِيَّةِ ثَلَاثِينَ فَرَساً وَثَلَاثِينَ رُمْحاً ، وَقَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الْهَلَاكَ قَدْ تَدَلَّى عَلَى أَهْلِ نَجْرَانَ ، وَلَوْ لَاعَنُوا لَمُسِخُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ وَلَاضْطَرَمَ عَلَيْهِمُ الْوَادِي نَاراً ، وَلَمَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى النَّصَارَى كُلِّهِمْ حَتَّى يَهْلِكُوا (١).
وفي هذه الآية أوضح دلالة على فضل أصحاب الكساء وعلو درجتهم وبلوغ
__________________
(١) سفينة البحار ج ١ ص ١١٢ مع اختلاف يسير.