مرتبتهم في الكمال إلى حد لا يدانيهم أحد من الخلق. قوله تعالى : ( يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) [٣ / ٦٥ ]
قَالَ الْمُفَسِّرُ : اجْتَمَعَتْ أَحْبَارُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى عِنْدَ رَسُولِ اللهِ (ص) ، وَزَعَمَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ مِنْهُمْ ، فَقِيلَ لَهُمْ إِنَّ الْيَهُودِيَّةَ حَدَثَتْ بَعْدَ نُزُولِ التَّوْرَاةِ وَالنَّصْرَانِيَّةَ بَعْدَ نُزُولِ الْإِنْجِيلِ وَبَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى أَلْفُ سَنَةٍ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ عِيسَى أَلْفَانِ فَكَيْفَ يَكُونُ إِبْرَاهِيمُ عَلَى دِينٍ لَمْ يَحْدُثْ إِلَّا بَعْدَ عَهْدٍ بِأَزْمِنَةٍ كَثِيرَةٍ أَفَلَا تَعْدِلُونَ؟.
قوله : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) [٣ / ٩٧ ] أي قصده والسعي إليه ، يقال حَجَجْتُ الموضع أَحُجُّهُ حَجّاً من باب قتل : قصدته ، ثم سمي السفر إلى بيت الله حَجّاً دون ما سواه فَالْحَجُ في اللغة القصد ، وفي عرف الفقهاء قصد البيت للتقرب إلى الله تعالى بأفعال مخصوصة وبزمان مخصوص في أماكن مخصوصة. والْحَجُ فتحا وكسرا لغتان ، ويقال الْحَجُ بالفتح المصدر وبالكسر الاسم. قوله : الْحَجُ أي زمان ( الْحَجُ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ) [ ٢ / ١٩٧ ] أي معروفات للناس ، يريد أن زمان الحج لم يتغير في الشرع. وهو رد على الجاهلية في قولهم بالنسيء وهو شوال وذو القعدة وذو الْحِجَّةِ عند المحققين من أصحابنا ، وقيل تسعة من ذي الْحِجَّةِ وبه قال الشافعي ، وقيل عشرة وبه قال أبو حنيفة ، والأول أصح للفظ الأشهر على الحقيقة دون المجاز.
قَوْلُهُ ( يَوْمَ الْحَجِ الْأَكْبَرِ ) [ ٩ /٣ ] قِيلَ هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَالصَّادِقِ عليه السلام (١) ، وَقَالَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ
وقِيلَ هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ.
، وقِيلَ الْحَجُ الْأَكْبَرُ مَا فِيهِ وُقُوفٌ وَالْأَصْغَرُ الَّذِي لَا وُقُوفَ فِيهِ وَهُوَ الْعُمْرَةُ.
وهو مروي أيضا ، وقيل جميع أيام الحج.
وَفِي الْحَدِيثِ » إِنَّمَا سُمِّيَ الْحَجُ الْأَكْبَرَ
__________________
(١) انظر البرهان ج ٢ ص ١٠١ ففيه كثير من الأحاديث الدّالّة على ما ذكر هنا.