ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ الثَّدْيَ ، فَفَعَلُوا بِهِ فَقَبِلَ الثَّدْيَ ، فَكَانَ لَا يَصْبِرُ عَنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ ، وَكَانَ يُخْبِرُ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ أَكْبَرُ لَذَّاتِهِ سَفْكُ الدِّمَاءِ وَارْتِكَابُ الْأُمُورِ ـ أَيْ أُمُورٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ ـ (١).
وفِي كُتُبِ السِّيَرِ أَنَّهُ أَسْرَفَ كَثِيراً فِي قَتْلِ النَّاسِ ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ بَلَغَ مِنْ قَتْلِهِ صَبْراً سِوَى مَنْ قَتَلَهُ فِي الْحَرْبِ مِائَةُ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفاً ، وَنُقِلَ أَنَّهُ وُجِدَ فِي سِجْنِهِ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ أَلْفاً مَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ قَتْلٌ وَلَا قَطْعٌ وَلَا صَلْبٌ ، وَإِنَّ سِجْنَهُ كَانَ حَائِطاً مَحُوطاً لَا سَقْفَ لَهُ ، فَإِذَا أَوَى الْمَسْجُونُونَ إِلَى الْجُدْرَانِ يَسْتَظِلُّونَ بِهَا مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ رَمَتْهُمُ الْحَرَسُ بِالْحِجَارَةِ ، وَكَانَ يُطْعِمُهُمْ خُبْزَ الشَّعِيرِ مَخْلُوطاً بِالْمِلْحِ وَالرَّمَادِ ، وَكَانَ لَا يَلْبَثُ الرَّجُلُ فِي سِجْنِهِ حَتَّى يَسْوَدَّ وَيَصِيرَ كَأَنَّهُ زِنْجِيٌّ ، حَتَّى إِنَّ غُلَاماً حُبِسَ فِيهِ فَجَاءَتْ إِلَيْهِ أُمُّهُ بَعْدَ أَيَّامٍ تَتَعَرَّفُ خَبَرُهُ ، فَلَمَّا تَقَدَّمَ إِلَيْهَا أَنْكَرَتْهُ وَقَالَتْ : لَيْسَ هَذَا ابْنِي هَذَا بَعْضُ الزُّنُوجِ فَقَالَ : لَا وَاللهِ يَا أُمَّاهْ أَنْتِ فُلَانَةُ وَإِنِّي فُلَانٌ ، فَلَمَّا عَرَفَتْهُ شَهِقَتْ شَهْقَةً كَانَتْ فِيهَا نَفْسُهَا. وَكَانَ إِمْرَةُ الْحَجَّاجِ عَلَى الْعِرَاقِ عِشْرِينَ سَنَةً ، وَآخِرُ مَنْ قَتَلَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، فَوَقَعَتِ الْأَكِلَةُ فِي بَطْنِهِ وَأَخَذَ الطَّبِيبُ لَحْماً شَدَّهُ فِي خَيْطٍ وَأَمَرَهُ بِابْتِلَاعِهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهُ وَإِذَا قَدْ لَصِقَ بِهِ دُودٌ كَثِيرٌ ، فَعَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ نَاجٍ (٢).
ونُقِلَ إِنَّهُ لَمَّا نَصَبَ الْحَجَّاجُ الْمَنْجَنِيقَ لِرَمْيِ الْكَعْبَةِ جَاءَتْ صَاعِقَةٌ حَرَّقَتِ الْمَنْجَنِيقَ فَتَقَاعَدَ أَصْحَابُهُ عَنِ الرَّمْيِ فَقَالَ الْحَجَّاجُ : لَا عَلَيْكُمْ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ هَذِهِ كناء الْقُرْبَانِ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ فِعْلَكُمْ مُتَقَبَّلٌ.
و « الْحَجَاجُ » بفتح الحاء وكسرها : العظم الذي نبت عليه الحاجب ، والجمع « أَحِجَّةٌ ». وحُجَجُ الدهور : هم الأئمة (ع). وَفِي الْحَدِيثِ « لَمْ يُخْلِ اللهُ خَلْقَهُ مِنْ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ أَوْ كِتَابٍ مُنْزَلٍ أَوْ حُجَّةٍ لَازِمَةٍ أَو
__________________
(١) مروج الذّهب ج٣ ص ١٢٥.
(٢) مروج الذّهب ج٣ ص ١٦٤.