التناسخ الذي أطبق المسلمون على بطلانه هو تعلق الْأَرْوَاحِ بعد خراب أجسامها بأجسام أخر في هذا العالم مترددة في الأجسام العنصرية ، وأما القول بتعلقها في عالم آخر بأبدان مثالية مدة البرزخ إلى أن تقوم قيامتها الكبرى فتعود إلى أبدانها الأولية فليس من التناسخ في شيء ـ انتهى. ويتم الكلام في نسخ إن شاء الله تعالى.
وَفِي الْحَدِيثِ « أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى صُورَةِ أَبْدَانِهِمْ لَوْ رَأَيْتَهُ لَقُلْتَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ ».
قال بعض المتبحرين : المراد بِالرُّوحِ هنا ما يشير الإنسان بقوله « أنا » أعني النفس الناطقة المستعدة للبيان وفهم الخطاب ، ولا تفنى بفناء الجسد وإنه جوهر لا عرض ، وهي المعني في القرآن والحديث ، وقد تحير العقلاء في حقيقتها واعترف كثير منهم بالعجز عن معرفتها ، حتى قال بعض الأعلام : إِنَ قَوْلَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام « مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ ».
معناه أنه كما لا يمكن التوصل إلى معرفة النفس لا يمكن التوصل إلى معرفة الرب ، وقوله تعالى : ( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ) مما يعضد ذلك ، وقوله تعالى : ( بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) المراد هذه الْأَرْوَاحِ ... إلى أن قال : والذي عليه المحققون من أنها غير داخلة في البدن بالجزئية والحلول بل هي منزهة عن صفات الجسمية متعلقة بالجسم تعلق التدبير والتصرف فقط ، وهو مختار أعاظم الحكماء الإلهيين وأكابر المتصوفة والإشراقيين ، وعليه استقر رأي أكثر المتكلمين من الإمامية كالشيخ المفيد وبني نوبخت والمحقق نصير الدين الطوسي والعلامة جمال الدين ، ومن الأشاعرة الراغب الأصفهاني وأبي حامد الغزالي والفخر الرازي ، وهو المذهب المنصور الذي أشارت إليه الكتب السماوية وانطوت عليه الأنبياء النبوية وعضدته الدلائل العقلية وأيدته الأمارات الحدسية والمكاشفات الذوقية إلى أن قال : (تنبيه) قد يستفاد من أحاديث الْأَرْوَاحِ بعد مفارقة الأجساد مثل أنهم ـ يعني الأموات ـ يجلسون حلقا على صور أبدانهم العنصرية يتحدثون ويتنعمون بالأكل والشرب وإنهم ربما يكونون في