الهواء بين الأرض والسماء يتعارفون في الجو ويتلاقون ، وأمثال ذلك الدلالة على نفي الجسمية في الأشباح وإثبات بعض لوازمها في عالم البرزخ ، ومن هنا قال بعض الأفاضل : المنقول في الكافي وغيره عن أمير المؤمنين (ع) والأئمة من أولاده عليه السلام يعطي أن تلك الأشباح ليست في كثافة الماديات ولا في لطافة المجردات ، بل هي ذات جهتين وواسطة بين العالمين ـ انتهى كلامه ، وهو حسن جيد يؤيده ما
رُوِيَ عَنْهُ (ع) مِنْ أَنَّ « الْأَرْوَاحَ إِذَا فَارَقَتِ الْأَبْدَانُ تَكُونُ كَالْأَحْلَامِ الَّتِي تُرَى فِي الْمَنَامِ ، فَهِيَ إِلَى عِقَابٍ أَوْ ثَوَابٍ حَتَّى تُبْعَثَ ».
وللغزالي كلام في كتاب الأربعين يليق ذكره هنا ، وهو أن الروح هي نفسك وحقيقتك ، وهي أخفى الأشياء عليك ، وأعني بنفسك رُوحَكَ التي هي خاصة الإنسان المضافة إلى الله تعالى بقوله : ( قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) وقوله : ( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) دون الرُّوحِ الجسماني اللطيف الذي هو حامل قوة الحس والحركة التي تنبعث من القلب وتنتشر في جملة البدن في تجويف العروق الضوارب ، فيفيض منها نور حس البصر على العين ونور السمع على الأذن ، وكذلك سائر القوى والحركات والحواس كما يفيض من السراج نور على حيطان البيت إذا أدير في جوانبه ، فإن هذه الرُّوحَ تتشارك البهائم فيها وتنمحق بالموت ، لأنه بخار اعتدل نضجه عند اعتدال المزاج الأخلاط ، فإذا انحل المزاج بطل كما يبطل النور الفائض من السراج عند انطفاء السراج بانقطاع الدهن عنه أو بالنفخ فيه ، وانقطاع الغذاء عن الحيوان يفسد هذه الرُّوحَ ، لأن الغذاء له كالدهن للسراج والقتل له كالنفخ في السراج ، وهذه الرُّوحُ هي التي يتصرف في تقويمها وتعديلها علم الطب ، ولا تحمل هذه الرُّوحُ المعرفة والأمانة ، بل الحامل للأمانة الرُّوحُ الخاصة للإنسان ، ونعني بالأمانة تقلد عهدة التكليف ، بأن تعرض لخطر الثواب والعقاب بالطاعة والمعصية ، وهذه الرُّوحُ لا تفنى ولا تموت بل تبقى بعد الموت إما