حينئذ من مفارقة رُوحِ الإيمان نفي الكمال لا الحقيقة ، فقوله (ع) مثل قوله تعالى : ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) إذ النهي في الإنفاق من الخبيث ـ على ما ذكروه ـ نهي كمال لا نهي حقيقة ، أي الأكمل في إنفاقكم أن تقصدوا إلى الطيب لا الخبيث ، يؤيده ما
رُوِيَ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (ع) فِي قَوْلِ رَسُولِ اللهِ (ص) « إِذَا زَنَا الزَّانِي فَارَقَهُ رُوحُ الْإِيمَانِ » قَالَ هُوَ قَوْلُهُ : ( وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) ذَلِكَ الَّذِي يُفَارِقُهُ.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ « قُلْتُ : هَلْ يَبْقَى مِنَ الْإِيمَانِ شَيْءٌ مَّا أَوْ قَدِ انْخَلَعَ مِنْهُ أَجْمَعُ؟ قَالَ : لَا بَلْ يَبْقَى ، فَإِذَا قَامَ عَادَ إِلَيْهِ رُوحُ الْإِيمَانِ » (١).
وعلى هذا يحمل قَوْلُهُ عليه السلام « مَنْ أَفْطَرَ يَوْماً فِي شَهْرِ رَمَضَانَ خَرَجَ مِنْهُ رُوحُ الْإِيمَانِ » أي فارقه ما يكمل به الإيمان.
وَفِي حَدِيثِ الصَّادِقِ (ع) « أَنَّ اللهَ خَلَقَ أَجْسَادَنَا مِنْ عِلِّيِّينَ ، وَخَلَقَ أَرْوَاحَنَا مِنْ فَوْقِ ذَلِكَ ، وَخَلَقَ أَرْوَاحَ شِيعَتِنَا مِنْ عِلِّيِّينَ وَخَلَقَ أَجْسَادَهُمْ مِنْ دُونِ ذَلِكَ ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْقَرَابَةُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ وَقُلُوبُهُمْ تَحِنُّ إِلَيْنَا » (٢).
وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِ « يَا مُحَمَّدُ إِنِّي خَلَقْتُكَ وَعَلِيّاً نُوراً » يَعْنِي رُوحاً » بِلَا بَدَنٍ ثُمَّ جَمَعْتُ رُوحَيْكُمَا فَجَعَلْتُهُمَا وَاحِدَةً ».
قال بعض الأفاضل : من المعلوم أن جعل المجردتين واحدة تمتنع وكذا قسمة المجرد ، فينبغي حمل الرُّوحِ هنا على آلة جسمانية نورانية منزهة عن الكثافة البدنية ـ انتهى.
وَفِي الْحَدِيثِ « أَنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ الْأَرْوَاحَ قَبْلَ الْأَجْسَادِ بِأَلْفَيْ عَامٍ ».
قال الشيخ محمد بن محمد بن النعمان : هو من أخبار الآحاد وقد روته الخاصة ، وليس هو مع ذلك مما يقطع على الله بصحته ، وإنما نقل لحسن الظن به ، فإن ثبت فالمعنى فيه أن الله تعالى قدر الْأَرْوَاحَ في علمه
__________________
(١) من لا يحضر ج ٤ ص ١٤.
(٢) الكافي ج ١ ص٣٨٩ ، وفيه » أن الله خلقنا من عليين ».