قصّته ليثبت لهم الفضل والزيادة فبنوا مسجدا بجنب مسجد قبا وقالوا لرسول الله صلىاللهعليهوآله وهو يتجهّز إلى تبوك إنا قد بنينا مسجدا لذي العلّة والحاجة واللّيلة المطيرة واللّيلة الشاتية وإنا نحبّ أن تأتينا فتصلّي لنا فيه وتدعو لنا بالبركة ، فقال عليهالسلام إنّي على جناح السفر وإذا قدمنا إن شاء الله أتيناكم فصلّينا لكم فيه.
فلمّا قدم من تبوك أنزلت الآية فأنفذ رسول الله صلىاللهعليهوآله عاصم بن عوف العجلانيّ ومالك بن الدّخشم فقال انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرّقاه. وروي أنه بعث عمّار بن ياسر ووحشيّا فحرّقاه وأمر النبيّ صلىاللهعليهوآله بأن يتّخذ مكانه كناسة يلقى فيها الجيف قيل كانوا اثني عشر رجلا من المنافقين وقيل خمسة عشر.
ثمّ إنه تعالى أخبر نبيّه صلىاللهعليهوآله بقصدهم وهو أنّهم بنوه مضارّة لبني عمرو بن عوف وتفريقا بين المؤمنين لأنّهم كانوا يجتمعون في مسجد قبا وإرصادا لأبي عامر الراهب بحيث يقدم إليهم وكلّ هذه المقاصد قبيحة منافية للدين وفي ذلك دلالة على وجوب الإخلاص بعمارة المساجد لله لا لغرض آخر. ثمّ إنّه تعالى أخبر عن مجيئهم في أخبارهم بضدّ مقصدهم وأنّه تعالى شهد بكذبهم مؤكّدا ذلك بعدّة من التواكيد ولمّا نهاه سبحانه أن يقوم فيه أبدا أقسم أنّ غيره أحقّ وأولى بالقيام فيه وهو مسجد أسّس على التقوى فقيل هو مسجد قبا وقيل مسجده بالمدينة ومعنى « مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ » أي من أوّل يوم بني و « أحقّ » هنا إمّا بمعنى حقيق فإنّ أفعل التفضيل يجيء بمعنى الصفة كقولهم : « الأشجّ والناقص أعدلا بني مروان » أو أنّه على بابه أي أحقّ من كلّ مكان حقيق بالصلاة فيه ، أو أنّ الصّلاة في مسجدهم باعتبار كونه أرضا خالية من المسجديّة يجوز فيها الصلاة فالقيام فيها حسن في نفسه وإنّما صار قبيحا باشتماله على مفسدة تزيد على حسنه.
قصة ابى عامر الراهب :
إنّه ترهّب في الجاهليّة (١) ولبس المسوح ، فلمّا قدم النبيّ صلىاللهعليهوآله المدينة
__________________
(١) واسم ابى عامر عبد عمرو بن صيفي بن النعمان بن مالك بن أمية بن ضبيعة ابن زيد من بنى عمرو بن عوف راجع ترجمته في ج ١ ص ٥٨٤ ـ ٥٨٦ من سيرة ابن هشام