مستقبلا نظرا إلى وقت إيقاع الصلاة فإنّه بعد الموت فيكون الموت ماضيا بالنسبة إليه وإنّما قال أبدا وإن كان رسول الله صلىاللهعليهوآله ليس بأبديّ لأنّ المراد لا تصلّ أنت ولا أمّتك أبدا أو يكون المراد أنّهم لا يستحقّون الصلاة أبدا لكفرهم والأولى أنّه قيّده بالتأبيد قطعا لأطماعهم في ذلك أو قطعا لتجويز النسخ « وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ » أي لأجل الدعاء وسؤال الرحمة لهم وقوله « إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ » تعليل من حيث المعنى للنهي عن الصلاة عليهم وفائدة قوله « وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ » أنّهم ثبتوا على الكفر إلى الموت لأنّ « كفروا » يدلّ على الحدوث لا على الثبوت إلى الموت والواو في « وماتوا » للحال أي على حال فسقهم والفسق هنا الكفر لأنّه أعمّ منه ويجوز إطلاق العامّ على الخاصّ.
إذا تقرّر هذا فهنا فوائد :
١ ـ نقل أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يصلّي على المنافقين ويقوم على قبورهم ويدعو لهم تألّفا للأحياء منهم وترغيبا في تحقّق إسلامهم فلمّا مرض عبد الله بن أبيّ ابن سلول بعث إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله ليأتيه فلمّا دخل عليه قال له أهلكك حبّ اليهود فقال يا رسول الله بعثت إليك لتستغفر لي لا لتوبخني وسأله أن يكفّنه في ثوبه الّذي لاقى جسده ويصلّي عليه فلمّا مات دعاه ابنه حباب إلى الجنازة فسأله عن اسمه فقال حباب فقال صلىاللهعليهوآله : حباب اسم شيطان وأنا سمّيتك عبد الله بن عبد الله فلمّا همّ بالصلاة عليه نزلت الآية وجذبه جبرئيل عليهالسلام عن الجنازة.
وروي أنّه كان قد أنفذ إليه قميصه فقيل له في ذلك فقال إنّ قميصي لا يغني عنه من الله شيئا وإنّي أؤمّل من الله أن يدخل بهذا السّبب في الإسلام خلق كثير فروي أنّه أسلم من الخزرج يومئذ ألف رجل.
وقيل إنّما فعل صلىاللهعليهوآله بعبد الله ذلك مكافأة له على حسناه في الحديبيّة فإنّه لمّا قال المشركون لا نأذن لمحمّد ولكن نأذن لعبد الله فقال : لا ، لي أسوة برسول الله وأيضا لمّا أسر العبّاس يوم بدر ولم يجدوا له قميصا على طوله وكان طويلا كساه عبد الله هذا قميصا.