تأخّرهم اشتغالهم بإصلاح أموالهم فلمّا قدم النبيّ صلىاللهعليهوآله من تبوك دخل المسجد فصلّى ركعتين وكان ذلك دأبه إذا رجع من سفره فرأى الموثّقين بالسواري فسأل عنهم فقيل له إنّهم حلفوا أن لا يحلّوا أنفسهم حتّى يحلّهم رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : إنّي لا أحلّهم حتّى أومر به فلمّا نزلت الآية وهي ( وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ) (١) إلى آخرها أطلقهم وعذرهم (٢).
ثمّ إنّه لمّا حلّهم قالوا يا رسول الله هذه أموالنا الّتي تخلّفنا لإصلاحها خذها وتصدّق بها وطهّرتا من الذنوب فقال صلىاللهعليهوآله : ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا فنزلت فأخذ منهم الزكاة المقرّرة شرعا وعلى ذلك إجماع الأمّة.
__________________
(١) البراءة : ١١٩.
(٢) قال أبو عمر في الاستيعاب ترجمة أبي لبابة بن عبد المنذر : اختلف في الحال التي أوجبت فعل أبي لبابة هذا بنفسه ( يعنى ربطه بالسارية ) وأحسن ما قيل في ذلك ما رواه معمر عن الزهري قال كان أبو لبابة ممن تخلف عن النبي صلىاللهعليهوآله في غزوة تبوك فربط نفسه. القصة راجع الاستيعاب بذيل الإصابة ج ٤ ص ١٩٧ لكنه خلاف ما عليه المفسرون وأهل السير فإنهم زعموا أن الآية « وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا » الآية نزلت فيمن تخلف عن تبوك وهم كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن ربعي ( الربيع ) فلما رجع النبي صلىاللهعليهوآله جاؤا اليه يعتذرون فلم يكلمهم النبي صلىاللهعليهوآله ، وتقدم الى المسلمين ان لا يكلمهم احد فهجرهم الناس حتى الصبيان ونساؤهم فضاقت عليهم المدينة وخرجوا الى رؤس الجبال القصة راجع مجمع البيان ج ٥ ص ٧٩ ، الدر المنثور ج ٣ ص ٢٨٦ ، سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٥٣١.
وأما قصة أبي لبابة وربطه نفسه بالسارية فإنما هو في غزوة بني قريظة ونصحه ليهود بني قريظة خلافا لرسول الله والمسلمين : أن لا ينزلوا على حكم رسول الله صلىاللهعليهوآله فإنهم إن نزلوا على حكمه فإنه الذبح اشارة بيده. فنزلت قوله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ ) الآية ( الأنفال : ٢٧ ) عن الكلبي والزهري والعجب اختلاف الزهري في نقله القصة تارة كما مر عن الاستيعاب وتارة هكذا راجع سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٢٣٦ ، مجمع البيان ج ٤ ص ٥٣٧ ، الدر المنثور ج ٣ ص ١٧٨.