بانتفاء الجدال كأنّه قال لا شكّ ولا جدال في الحجّ وذلك أنّ قريشا كانت تخالف سائر العرب فتقف بالمشعر [ الحرام ] وسائر العرب يقفون بعرفة وكانوا يقدّمون الحجّ سنة ويؤخّرونه سنة فردّ إلى وقت واحد وردّ الوقوف إلى عرفة فأخبر الله أنّه قد ارتفع الخلاف في الحجّ.
واستدلّ على أنّ المنهيّ عنه هو الرفث والفسوق دون الجدال بقوله صلىاللهعليهوآله :« من حجّ ولم يرفث ولم يفسق خرج كهيئة يوم ولدته أمّه » (١) وأنّه لم يذكر الجدال وفيه نظر لأنّه إذا حمل على الاخبار عن عدم الخلاف لزم الكذب لأنّه كم من خلاف قد وقع بين الفقهاء وغيرهم في الحجّ فانّ نفي الماهيّة يستلزم نفي جميع جزئيّاتها والأولى أن يقال إنّما نصب الثالث لأنّ الاهتمام بنفي الجدال أشدّ من الأوّلين لأنّ الرفث عبارة عن قضاء الشهوة والفسوق مخالفة أمر الله والجدال مشتمل عليهما فانّ المجادل يشتهي تمشية قوله ولا ينقاد للحقّ مع أنّه يشتمل على أمر زائد وهو الإقدام على الإيذاء المؤدّي إلى العداوة وأمّا الحديث المذكور فلا ينافي ما ذكرناه ولأنّه مركّب من المنفيّين.
٤ ـ « وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ » حضّ وحثّ على فعل الخير عقيب نهيه عن الشرّ وإنّما لم يقل وما تفعلوا من شيء ليكون شاملا للشرّ لأنّه لم يرد الإخبار عن علمه بل الحضّ على فعل الخير عقيب نهيه عن الشرّ ثمّ إنّ العاقل يستدلّ بذلك على علمه بالشرّ [ والخير ] لأنّهما متساويان في صحّة المعلوميّة.
[ ٥ ـ ] « وَتَزَوَّدُوا » أي من العمل الصالح وقيل إنّ قوما من اليمن ما كانوا يتزوّدون في الحجّ ويقولون نحن متوكّلون ونحن نحجّ بيت الله أفلا يطعمنا فيكونون كلّا على الناس فنزلت (٢) ويؤيّد الأوّل « فَإِنَّ خَيْرَ الزّادِ التَّقْوى » والثاني سبب النزول.
__________________
(١) صحيح البخاري ج ١ ص ٣١٢. السراج المنير ج ٣ ص ٣٥٢.
(٢) الدر المنثور ج ١ ص ٢٢١ صحيح البخاري ج ١ ص ٢٦٥.