الحكمة حضّهم عليه وإرشادهم إلى القيام به فلذلك كرّر الأمر بالذكر في هذه الآيات خمس مرّات وجعل محلّ الذكر الأزمنة الشريفة والأمكنة المنيفة ضمن العبادات العظيمة ليكثر لهم الجزاء كلّ ذلك إعلاما بشدّة العناية بعبيده وإلّا فالجناب القدسيّ أعظم من أن يعود إليه من ذلك نفع أو ينتفي عنه ضرر.
٢ ـ الذكر يراد به اللّساني تارة والقلبيّ أخرى لكنّ المقصود بالذات هو الثاني وأمّا الأوّل فترجمان للثاني ومنبّه للقلب عليه لكونه في الأغلب مأسورا في يد الشواغل البدنيّة والموانع الطبيعيّة وهذا هو السرّ في تكرار الأذكار والتسبيحات والتحميدات وغيرها.
٣ ـ لا يتوهّم أنّ ذكره تعالى ينقطع بانقطاع المناسك لتعليق الأمر بقضائها بل هو دائم مستمرّ لا ينبغي للمكلّف أن يغفل عنه ودلالة مفهوم المخالفة باطلة كما تقرّر في الأصول وإنّما سبب التعليق ما كانت العرب تعتاده بعد قضاء مناسكها من الوقوف بمنى وذكر محامد الآباء ومفاخرهم فأمرهم بالعدول عن ذلك الّذي لا يفيد إلى ما هو المفيد.
٤ ـ إنّما جعل ذكر الآباء مشبّها به والغالب في التشبيه أنّ المشبّه به أقوى في الوجه مع أنّ ذكره تعالى ينبغي أن يكون أقوى ، جريا على الواقع فإنّ أكثر الناس لا يذكر الله إلّا أحيانا يسيرة ولا يغفل عن ذكر آبائه فكان ذكر الآباء أكثر وجودا فحسن جعله مشبّها به وإنّما ردّد بقوله « أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً » لتفاوت النفوس في مراتب القبول فإنّ منهم من لا يخلو عن الذكر طرفة عين ومنهم من لا يخطر بباله ذكر ربّه إلّا أن ينبّهه غيره وبينهما مراتب كثيرة ولذلك ردّد في خطابهم فقنع من قوم بذكر كذكر آبائهم كالعوامّ ومن قوم أشدّ من ذلك كالخواص.
٥ ـ [ ثمّ ] انّه تعالى قسم الذاكرين إلى قسمين أحدهما من مطلوبه بذكره أغراض دنيويّة من المال والجاه والخدم والحشم وغيرها من الحظوظ « وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ » أي من حظّ ونصيب ومفعول « آتِنا » محذوف وإنّما حذفه لكونه فضلة ولاختلاف إرادات الناس فكان ذكر كلّ المرادات يطول وذكر البعض تخصيص من