يستبدلون تلك بهذه رضى وإيثارا كما يرضى البائع بالثمن عوضا عن سلعته والشرى يستعمل بمعنى البيع وبمعنى الاشتراء والأوّل أظهر في الاستعمال وهو المراد هنا ثمّ إنّه تعالى حثّ على الجهاد حثا عظيما بأنّ المجاهد لا بدّ له من الفوز بإحدى الحسنيين (١) إمّا الأخروية فلازمة حتما فإنّها تابعة لقصده ونيّته سواء غلب أو غلب وأمّا الدنيويّة فإنّها حاصلة مع الظفر قطعا ومع عدمه يتخلّص من الملامة والمذمّة ويحصل [ على ] المدح والثناء.
ومثل هذه الآية قوله تعالى ( إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (٢) وسبب نزولها أنّه لمّا بايعت الأنصار رسول الله صلىاللهعليهوآله ليلة العقبة وهم سبعون رجلا قال عبد الله بن رواحة : اشترط لربّك ولنفسك ما شئت فقال أشترط لربّي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأشترط لنفسي أن تمنعوني ممّا تمنعون منه أنفسكم قالوا فإذا فعلنا ذلك فما لنا؟ قال الجنّة قال [ عبد الله ] ربح البيع لا نقيله ولا نستقيله فنزلت (٣).
وفيها أيضا حثّ على الجهاد وعظم فائدته ومعناه إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم الحيوانيّة الأمّارة [ بالسّوء ] بالجنّة فالبائع هي أنفسهم العاقلة والمشتري هو الله والسلعة هي النفس الحيوانيّة والثمن هو الجنّة والمراد بالاشتراء هو إبدال أنفسهم الحيوانيّة بالجنّة فاستعار له الاشتراء والاستعارة مبالغة في التشبيه تقول زيد كالأسد فإذا بالغت قلت زيد الأسد وليس شراء حقيقيّا لأنّ الله هو المالك للثمن والسلعة والبائع إلّا أنّ للبائع اختصاصا بالسّلعة كاختصاص المستعير بالعين المعارة وكما لا يصحّ أن يبيع المستعير العين على مالكها فكذلك هنا ولمّا كانت السلعة غير حاضرة
__________________
(١) الحياتين ، خ ل.
(٢) براءة : ١١٢.
(٣) الدر المنثور ج ٣ ص ٢٨٠.