جهل ما هم إلّا أكله رأس ولو بعثنا إليهم عبيدنا لأخذوهم أخذا باليد فقال له عتبة أترى لهم كمينا في الحرب أو مددا فبعثوا عمرو بن وهب فجال بفرسه حول المسلمين فرجع فقال : ما لهم كمين ولكن نواضح يثرب قد حملت الموت الناقع أما ترونهم خرسا لا يتكلّمون ويتلمّظون تلمّظ الأفاعي ما لهم ملجأ إلّا سيوفهم وما أراهم يألون حتّى يقتلوا ولا يقتلون حتّى يقتلوا بعددهم فارتئوا رأيكم فقال أبو جهل كذبت وجبنت.
فأنزل الله تعالى « وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها » (١) فبعث إليهم رسول الله صلىاللهعليهوآله يا معشر قريش إنّي أكره أن أبدأ بكم فخلّوني والعرب وارجعوا فقال عتبة ما ردّ هذا قوم قطّ فأفلحوا ثمّ ركب جملا له أحمر فنظر إليه رسول الله وهو يجول بين العسكرين وينهى عن القتال فقال عليهالسلام إن يكن عند أحد خير فعند صاحب الجمل الأحمر فان يطيعوه يرشدوا فخطب عتبة فقال أطيعوني اليوم واعصوني الدهر كلّه إنّ محمّدا له إلّ وذمّة وهو ابن عمّكم فخلّوه والعرب فان يك صادقا فأنتم أعلى عينا به وإن يك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب أمره فقال له أبو جهل جبنت وانتفخ سحرك (٢) فقال يا مصفّر استه (٣) أمثلي يجبن ستعلم قريش أيّنا الأم وأجبن
__________________
(١) منخرك ، خ ل.
(٢) الأنفال : ٦٢.
(٣) قيل في شرح هذا الكلام ذيل سيرة ابن هشام ج ١ ص ٦٢٤ : قال السهيلي : « قوله » « مصفر استه » كلمة لم يخترعها عتبة ولا هو بأبى عذرتها : قد قيلت قبله لقابوس بن النعمان أو القابوس بن المنذر لانه كان مرفها لا يغزو في الحروب فقيل له صفر استه يريدون صفرة الخلوق والطيب وقد قال هذه الكلمة قيس بن زهير في حذيفة يوم الهباءة ولم يقل أحد ان حذيفة كان مستوها فإذا لا يصح قول من قال في أبي جهل من قول عتبة فيه هذه الكلمة أنه كان مستوها.
وسادة العرب لا تستعمل الخلوق والطيب إلا في الدعة والخفض وتعيبه في الحرب أشد العيب وأحسب أن أبا جهل لما سلمت العير وأراد أن ينحر الجزر ويشرب الخمر ببدر وتعزف عليه القيان بها استعمل الطيب أو هم به فلذلك قال له عتبة هذه المقالة ، ألا ترى الى قول الشاعر في بني مخزوم :