« جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا (١) » ولو أراد الطّاهر لم يكن له مزيّة ولقوله عليهالسلام أيضا وقد سئل عن الوضوء بماء البحر فقال : « هو الطّهور ماؤه الحلّ ميتته » (٢) ولو لم يرد كونه مطهّرا لم يصلح جوابا ولأنّ فعولا للمبالغة ولا يتحقّق إلّا مع إفادة التطهير ولأنّهم يقولون ماء طهور ولا يقولون ثوب طهور فلا بدّ من فائدة تختصّ بالماء ولا يظهر الفائدة إلّا مع إفادة التطهير لغيره.
والحقّ أنّه بالنظر إلى القياس اللّفظيّ كما قال الحنفيّ لأنّ التعدّي في الحقيقة لمطهّر وألحقوا طهورا به توقيفا لا قياسا وليس الطهور من مطهّر بمنزلة ضروب من ضارب لأنّك تقول هذا ضارب زيدا كما تقول ضروب زيدا وتقول الماء مطهّر من الحدث ولا تقول طهور من الحدث وأمّا بالنظر إلى الاستعمال فكما قال أصحابنا والشافعيّة فإن منع ذلك الحنفيّ فهو مكابرة.
٢ ـ ما يزيل عنه الطّهارة والطهوريّة ، فعند أبي حنيفة مخالطة النجاسة يقينا أو ظنّا وإن لم يتغيّر وجوّز استعمال ما لا يتحرّك بحركة الأجزاء المتنجّس وقدّره بعشرة أذرع في مثلها وعند مالك التغيير في أحد أوصافه قليلا أو كثيرا وعند الشّافعيّ في الكثير التغيّر وفي القليل الملاقاة وعند أصحابنا كذلك (٣) إلّا أنّ الكثير عنده
__________________
(١) الوسائل ب ٧ من أبواب التّيمم ح ١ ـ ٤. سنن أبي داود ج ١ ص ١١٤.
(٢) الوسائل ب ٢ من أبواب الماء المطلق ح ٢. سنن أبي داود ج ١ ص ١٩.
(٣) وادّعى الإجماع على انفعال الماء القليل بملاقاة النّجاسة. الّا انّه حكى عن ابن ابى عقيل القول بعدم الانفعال وأصرّ المحدّث الكاشاني في الوافي والمفاتيح على عدم الانفعال ، وأتمّ البيان بما لا مزيد عليه. والقواعد المؤسسة في الأصول لو روعيت في الفقه لاقتضت عدم النجاسة ، إذ بعد تعارض الأخبار الدّالة على الانفعال مع ما دلّ على عدم الانفعال ، يكون المرجع عند الإماميّة التّخيير ومقتضاه عدم لزوم الحكم بالانفعال هذا إذا لم يمكن الجمع بين الاخبار بحمل الظّاهر على الأظهر وحمل الأخبار الدّالة على الانفعال على التّنزيه. ولكنّ الإجماعات المنقولة والاخبار الّتي ادّعى بعض انّها تبلغ مأتين ، وادّعى بعضهم انّها تبلغ ثلاثمائة توحّشنا في الحكم بما حقّقه المحقّق الكاشاني وتبعه غير واحد الّا انّ للمحقّق الخراساني صاحب الكفاية هنا بيانا تاما دقيقا حقيقا بالتّلقي بالقبول