جعلها في قسم من يكون من المسلمين أو المؤمنين فيقع بينهم قتال وتعدّى بعض على بعض فيكون البغي بمعنى التعدّي فيقاتل المتعدّي حتّى يرجع عن تعدّيه إلى طاعة الله وامتثال أوامره.
قال الراونديّ ذكر الطبريّ أنّها نزلت في طائفتين من الأنصار وقع بينهما حرب وقتال ، نعم استدلّ الراونديّ على قتال أهل البغي بقوله تعالى ( انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ) (١) أي انفروا شبّانا وشيوخا وأغنياء وفقراء ومشاتا وركبانا. قال وظاهر الآية يقتضي قتال البغاة وهو أيضا غلط فإنّ أيّ ظاهر فيها يدلّ على قتال البغاة حتّى يكون حجّة على المطلوب بل ظاهرها يفيد تأكيد الأمر بالجهاد والمبالغة في ذلك كذا ذكره الطبرسيّ وغيره فيكون المراد بذلك جهاد الكفّار المعهود [ ين ] نعم إن كان ولا بدّ يستدلّ على قتال البغاة بعموم وجوب طاعة اولي الأمر في قوله ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٢) أو بقوله ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) (٣) والمنافق من ظاهره الإسلام والباغي كذلك لاظهاره الإسلام وخروجه عنه ببغيه على إمامه فهو حقيق باسم النفاق ولذلك قال النبيّ صلىاللهعليهوآله لعليّ « لا يحبّك إلّا مؤمن [ تقيّ ] ولا يبغضك إلّا منافق [ شقيّ ] » (٤) رواه النسائيّ في صحيحه ورويناه نحن أيضا في أخبارنا ومن يحاربه لا يحبّه قطعا فيكون منافقا وهو المطلوب ولا يلزم من عدم جهاد النبيّ صلىاللهعليهوآله للمنافقين عدم ذلك بعده ولذلك قال عليّ عليهالسلام يوم الجمل : « والله ما قوتل أهل هذه الآية إلّا اليوم » يريد به قوله تعالى ( وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ) الآية. (٥)
__________________
(١) براءة : ٤٢.
(٢) النساء : ٥٨.
(٣) براءة : ٧٤.
(٤) شرح النهج لابن ابى الحديد ج ٤ ص ٣٥٨ ، الإرشاد ص ١٨ ، أمالي الشيخ الطوسي : ١٢٩ ، المحاسن ١٥٠. والحديث متفق عليه تراه في النسائي ج ٨ ص ١١٦.
(٥) براءة : ١١.