الحسن والكلام الطيّب فانّ ذلك أقرب إلى القبول والانقياد لا على وجه السفاهة والغلظة.
قوله « إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ » أي ليس عليك أن توقع فيهم الهداية ولا أن تردّهم عن الضلالة وإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب والله أعلم.
السادسة ( مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) (١).
« مَنْ » مبتدأ و « فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ » خبره و « إِلّا مَنْ أُكْرِهَ » مستثنى من قوله « فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ » وقوله « وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً » في المعنى بيان للكفرة أي الّذين كفروا بالله [ و ] هم الّذين تطيب (٢) به قلوبهم لا بإكراه قيل إنّ جماعة ممّن أسلم من أهل مكّة فتنوا وارتدّوا عن الإسلام طوعا وبعضهم اكرهوا وهم عمّار وأبواه ياسر وسميّة وصهيب وبلال وخبّاب أمّا سميّة فربطت بين بعيرين ووجئ في قبلها بحربة وقيل لها إنّك أسلمت طلبا للرجال فقتلت وقتل ياسر معها وأعطاهم عمّار بلسانه ما أرادوا منه ونجا [ منهم ] ثمّ أخبر رسول الله صلىاللهعليهوآله بذلك وقال قوم كفر عمّار فقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : كلّا إنّ عمّارا مليء إيمانا من قرنه إلى قدمه واختلط الايمان بلحمه ودمه وجاء عمّار إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو يبكي فقال صلىاللهعليهوآله ما وراءك قال شرّ يا رسول الله ما تركت حتّى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير فجعل رسول الله صلىاللهعليهوآله يمسح عينيه ويقول له : فان عادوا لك فعدلهم بما قلت (٣).
ثمّ اعلم أنّ هنا فوائد :
١ ـ دلّت الآية الكريمة على جواز التقيّة في الجملة وكذا قوله تعالى ( لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي
__________________
(١) النحل : ١٠٦.
(٢) تطمئن ، خ.
(٣) راجع الدر المنثور ج ٤ ص ١٣٢.