لأنّ في ترك التقيّة إعزازا للدين وتشييدا له ولما روي أنّ مسيلمة الكذّاب أخذ
__________________
أو سبهم أو البراءة منهم أو ما شابه ذلك أولى بالرخصة والجواز.
وثانيهما في آل عمران : ٢٨ ( لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ ).
والآية تنهى عن أن يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء : يأتمرون بأوامرهم ويتناهون عن نواهيهم ، ويصدرون ويخرجون طلبا لمرضاتهم وغير ذلك مما هو من شؤن الولاية التي تنشأ بالعهد أو الحلف أو الالتزام. ومنها الاستخدام المعهود في عصرنا الحاضر للكافرين بأحكام القرآن المعاندين لها من دول الضلال.
فمن يفعل ذلك فليس من الله في شيء من ولايته فان الله ولي المؤمنين يخرجهم من الظلمات الى النور والكافرون أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم ( إياهم مع من في ولايتهم وعهدهم ) من النور الى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون فلا يجتمع هاتان الولايتان في مورد.
اللهم الا أن يتقوا منهم تقيّة فيدخلون في ولايتهم حذرا منهم وتقية ودفعا لنقماتهم المتوجهة إليهم ان خالفوهم. لكنه انما يختص بما اضطروا اليه أو أكرهوا عليه فلو رضوا منهم بالايتمار بأوامرهم ليس لهم أن يتناهوا عن نواهيهم أيضا أو يجلبوا إليهم المنافع وهكذا.
فالله يحذرهم نفسه إذا خرجوا عن ولايته ودخلوا في ولاية الكفار من دون اضطرار اليه والى الله المصير يؤاخذ الناس وهم مسئولون.
والظاهر من الاستثناء هو الرخصة في الدخول في ولايتهم وإطاعتهم منة على العباد بالحنيفية السمحة ، وإبقاء على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم عند طرو الاضطرار والتقية كما مر في الآية السالفة وهذه الرخصة إنما وردت طبقا لحكم الفطرة وجريا على سيرة العقلاء ( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ ).
وهذا الصنف من الرخصة إنما تجعل للأخذ بها لا للاعراض عنها والرغبة منها ولو لا ذلك لما خلق الناس مفطورا عليها بل الله عزوجل يحب أن تؤتى رخصه كما يجب أن تؤتى عزائمه وقد مر شطر من تلك الأحاديث في ص ٢١٠ عند البحث عن الرخصة في الإفطار في السفر فراجع.