__________________
والروياني من أصحابنا وهو المختار في تأويله لظاهر الحديث ولفعل ابن عبّاس وموافقة أبي هريرة ولأن المشقّة فيه أشدّ من المطر.
وذهب جماعة من الأئمّة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتّخذه عادة وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك وحكاه الخطابي عن القفال والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي عن أبي إسحاق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث واختاره ابن المنذر ويؤيده ظاهر قول ابن عبّاس : « أراد أن لا يحرج أمته » فلم يعلّله بمرض ولا غيره انتهى ما في شرح النووي.
ونزيدك بيانا لتضعيف التأوّل بالجمع الصوري بما تنبّه به ابن عبد البرّ والخطابي وغيرهما من أنّ الجمع رخصة فلو كان صوريّا لكان أعظم ضيقا من الإتيان بكل صلاة في وقتها لأنّ أوائل الأوقات وأواخرها ممّا لا يدركه أكثر الخاصّة فضلا عن العامّة وقد قال ابن عبّاس : أراد أن لا يحرج أمّته. وقالوا أيضا : المتبادر الى الفهم من إطلاق لفظ الجمع في السّنن كلّها انّما هو أدائهما في وقت إحداهما. ثمّ نضعّف ما اختاره الخطابي نفسه من الجمع بعذر المرض بأنّه لو كان كذلك لما صلّى معه الّا من به المرض والظّاهر انّه صلىاللهعليهوآله جمع بأصحابه.
وقال شاة ولي الله الدهلوي في رسالة شرح تراجم أبواب صحيح البخاري المطبوع بكراچى ص ١٢ : وليعلم انّ ما وقع في الحديث من قوله : « صلّى بالمدينة » وهم من الرّاوي بل كان ذلك في سفر. قلت قد أطبق أهل السير وأرباب الحديث على انّه صلىاللهعليهوآله لم يتمّ في السّفر ولم يزد على ركعتين انظر زاد المعاد لابن قيّم الجوزيّة ج ١ ص ١٢٨ ونيل الأوطار ج ٣ ص ٢١٢ فكيف يصح قوله صلّى سبعا وثمانيا لو كان ذلك في السفر.
وأنت إذا أمعنت النّظر في شرح النّووي على صحيح مسلم وشرح القسطلاني على البخاري وشرح الزّرقانى على موطإ مالك رأيتهم مائلين بجواز الجمع وكأنّهم لم يجترؤا على مبادهة العامّة ولذلك لم يصرّحوا بالفتوى ، ولقد أنصف أحمد محمد شاكر في ج ١ ص ٣٥٨ من تعليقاته على جامع الترمذي حيث قال بعد نقل ما حكى عن ابن سيرين :
وهذا هو الصّحيح الّذي يؤخذ من الحديث وأمّا التأوّل بالمرض أو العذر أو غيره فإنّه تكلّف لا دليل عليه ، وفي الأخذ بها رفع كثير من الحرج على أناس قد تضطرّهم أعمالهم أو ظروف قاهرة الى الجمع بين الصّلاتين ويتأثّمون من ذلك ففي هذا ترفيه لهم واعانة على الطّاعة ما لم يتّخذه عادة كما قال ابن سيرين.