تقتضي تميّز المعلوم فيتميّز النّاس التّابعون لك والنّاكصون عنك وذلك إمّا بمكّة فأمرناك ببيت المقدس ليمتاز من يتّبعك من مشركي مكّة لأنّهم ألفوا التوجّه إلى الكعبة وإمّا بالمدينة فأمرناك بالكعبة ليمتاز منافقوا اليهود لأنّهم كانوا يتوجّهون إلى البيت المقدّس ، وقيل المراد بذلك : لنعلم ذلك علما يتعلّق به الجزاء ، أي لنعلمه موجودا قاله الزّمخشريّ وفيه ضعف لا يخفى. « مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ » أي يرتدّ عن دينك وفي ذلك دلالة على كون أفعاله تعالى معلّلة بالأغراض.
٣ ـ « وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً » أي التّحويلة خصلة كبيرة على ضعفاء العقول والإيمان لعدم فهمهم الحكمة فيها وقد بيّن ذلك بقوله « إِلّا لِنَعْلَمَ » وهذا كما ميّز بين الصّادقين في الإيمان وبين غيرهم من امّة طالوت وداود بقوله ( إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ ) (١) الآية. « إِلّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ » إلى معرفة حكمته في أحكامه.
٤ ـ « وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ » أي ثبات أيمانكم أو إيمانكم بتحويل القبلة وحكمته أو ما رواه ابن عبّاس أنّ القبلة لمّا حوّلت قال النّاس : كيف بمن مات قبل التّحويل من إخواننا فنزلت (٢) واللّام في « لَكَبِيرَةً » هي الفاصلة بين إن المخفّفة والنّافية وفي « لِيُضِيعَ » لام تأكيد النّفي وينتصب الفعل بتقدير أن لكن لا يجوز إظهارها « إِنَّ اللهَ بِالنّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ » لا يضيع أجورهم ولا يغفل عن
__________________
لنعاملكم معاملة الممتحن الّذي كان لا يعلم إذ العدل يوجب ذلك من حيث لو عاملهم بما يعلم انّه يكون منهم قبل وقوعه كان ظلما والرّابع ما قاله علم الهدى المرتضى وهو ان قوله لنعلم يقتضي حقيقته ان يعلم هو وغيره ولا يحصل علمه مع علم غيره الّا بعد حصول علم الاتّباع فامّا قبل حصوله فيكون القديم تعالى هو المتفرّد بالعلم به فصحّ ظاهر الآية انتهى.
(١) البقرة : ٢٤٩.
(٢) قال الطّبرسي في مجمع البيان : قيل فيه أقوال : أحدها انّه لما حوّلت القبلة قال أناس : كيف بأعمالنا الّتي كنا نعمل في قبلتنا الاولى فأنزل الله ( وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ ) عن ابن عبّاس وقتادة. وقيل انّهم قالوا : كيف بمن مات من إخواننا قبل ذلك وكان قد مات أسعد بن زرارة والبراء بن معرور وكانا من النّقباء. راجع ج ١ ص ٢٢٥.