وهذه خطاب لجميع الناس ، يعني ان من آمن بالله لا يحل ولا يحرم الا بأمره ، ومن امتنع من اكل ما أحل الله فقد خالف أمره والله أحل المستلذ.
فقوله « كلوا » يحتمل أن يكون إباحة وتخييرا وأمرا على الايجاب أو الندب فالامر في وقت الحاجة إليه ، إذا لا يجوز لاحد أن يترك ذلك حتى يموت مختارا مع امكان تناوله.
والاذن على أن اكل المستلذ مما ملكتم ، وهو الحلال مباح لكم. وفي الآية دلالة على النهي عن أكل الخبيث في قول بعض المفسرين ، كأنه قيل كلوا من الطيب دون الخبيث كما لو قال كلوا من الحلال لكان ذلك دالا على حظر الحرام.
وهذا صحيح فيما له ضد قبيح مفهوم ، فأما غير ذلك فلا يدل على قبح ضده ، لان قول القائل « كل من مال زيد » لا يدل على أن المراد تحريم ما عداه ، لأنه قد يكون الغرض البيان لهذا خاصة ، وذكر الشرط ههنا انما هو على وجه المظاهرة في الحجاج.
قال سبحانه « يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ». والتحريم هو العقد على مالا يجوز فعله للعبد ، والتحليل حل ذلك العقد ، وذلك كتحريم السبب بالعقد على أهله فلا يجوز لهم العمل فيه ، وتحليله تحليل ذلك العقد وذلك يجوز لهم الان العمل فيه.
« ولا تعتدوا » إلى ما حرم عليكم ، واعتداء الحد مجاوزة الحكمة إلى ما نهى عنه الحكيم وزجر عنه اما بالعقل أو بالسمع.
ثم قال تعالى « وكلوا مما رزقكم الله حلال طيبا » والرزق هو ما للحي الانتفاع به وليس لغيره معه منه.
فان قيل : إذا كان الرزق لا يكون الا حلالا فلم قال الله تعالى « حلالا طيبا ».
قلنا : ذكر ذلك على وجه التأكيد كقول « وكلم الله موسى تكليما » (١) ،
__________________
١) سورة النساء : ١٦٤.