معناه : الشيطان انما يريد ايقاع العداوة والبغضاء بينهم بالاغراء المزين لهم ذلك حتى إذا سكروا زال عقولهم وأقدموا من المكاره والقبائح ما كانت تمنعهم منه عقولهم.
وقال قتادة : كان الرجل يقامر في ماله وأهله فيقمر ويبقى سليبا حزينا فيكسبه ذلك العداوة والبغضاء.
وقوله « ويصدكم عن ذكر الله » أي يمنعكم من الذكر لله بالتعظيم والشكر على آلائه ، لما في ذلك من الدعاء إلى الصلاح واستقامة الحال في الدين والدنيا.
وقوله تعالى « فهل أنتم منتهون » صيغته الاستفهام ومعناه النهي ، وانما جاز ذلك لأنه إذا ظهر قبح الفعل للمخاطب صار في منزلة من نهي عنه ، فإذا قيل له أتفعله بعد ما قد ظهر من أمره ، صار في محل من عقد عليه باقراره.
فان قيل : ما الفرق بين انتهوا عن شرب الخمر وبين لا تشربوا الخمر؟ قلنا : الفرق بينهما أنه إذا قال « انتهوا » دل ذلك على أنه مريد لأمر ينافي شرب الخمر ، وصيغة النهي تدل على كراهة الشرب ، لأنه قد ينصرف عن الشرب إلى أحد أشياء مباحة ، وليس كذلك المأمور به ، لأنه لا ينصرف عنه الا إلى محظور ، والمنهي عنه قد ينصرف عنه إلى غير مفروض.
ثم قال « وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فان توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين » (١) لما أمر سبحانه باجتناب الخمر والميسر والأنصاب والأزلام أمر بطاعته في ذلك وفي غيره من أوامره ، ثم أمر بالحذر وهو امتناع القادر من الشئ لما فيه من الضرر والخوف ، وهو توقع الضرر الذي لا يؤمن كونه.
« فان توليتم » الوعيد « فاعلموا » انكم قد استحققتم العذاب لتوليكم عما أدى رسولنا من البلاغ المبين.
__________________
١) سورة المائدة : ٩٢.