إلى قوله تعالى « ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا » (١).
والأول أقوى ، لان ما أكل على وجه مكارم الأخلاق فليس هو أكلا بالباطل.
وقيل : معناه التجاوز والاخذ من غير وجهه ولذلك قال تعالى « بينكم ».
وقوله تعالى « الا أن تكون تجارة » فيه دلالة على بطلان من حرم الكسب ، لان الله حرم أكل الأموال بالباطل وأحله بالتجارة على طريق المكاسب ، ومثله قوله « وأحل الله البيع وحرم الربا » (٢).
وقوله تعالى « عن تراض منكم » قيل في معنى التراضي بالتجارة قولان : أحدهما ـ امضاء البيع بالتفرق أو التخاير بعد العقد في قول شريح والشعبي وابن سيرين ، لقوله عليهالسلام « البيعان بالخيار ما لم يفترقا » (٣) أو يكون بيع خيار. وربما قالوا أو يقول أحدهما للاخر اختر ، وهو مذهبنا.
الثاني ـ امضاء البيع بالعقد على قول مالك بن أنس وأبي حنيفة بعلة رده إلى عقد النكاح ، ولا خلاف أنه لا خيار فيه بعد الافتراق. وقيل معناه إذا تغابنوا فيه مع التراضي فإنه جائز.
ثم قال تعالى « ولا تقتلوا أنفسكم » أي لا تهلكوها بترك التجارة وبارتكاب الآثام والعدوان في أكل الأموال بالباطل وغيره « ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا » الإشارة إلى أكل الأموال بالباطل.
وقوله تعالى « الا أن تكون تجارة » من رفع فالمعنى الا أن يقع ، ومن نصب فمعناه الا أن تكون الأموال تجارة ، أي أموال تجارة ، وحذف المضاف ، ويكون الاستثناء منقطعا ، ويجوز أن يكون التقدير الا أن تكون التجارة تجارة. والرفع أقوى ، لأنه أدل على الاستثناء ، فان التحريم لاكل المال بالباطل على الاطلاق.
__________________
١) سورة النور : ٦١.
٢) سورة البقرة : ٢٧٥.
٣) الكافي ٥ / ١٧٠.