ولكن التورّع عن الإجابة كان لبعض الصحابة دون الأكثرية ، فجماهيرهم إذا لم يجدوا جمعوا رؤساء الناس فاستشاروهم ، فإذا اجتمع رأيهم على شيء قضي به ، وعلى ذلك جرى الخلفاء بعد الرسول. (١)
يقول عبد الله بن مسعود : من عرض له منكم قضاء فليقضينّ بما في كتاب الله ، فإن لم يكن في كتاب الله فليقضينّ بما قضى به نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإن جاء أمر ليس في كتاب الله ولم يقض به نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فليقض بما قضى به الصالحون ، فإن جاء أمر ليس في كتاب الله ولم يقض به نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يقض به الصالحون فليجتهد برأيه ، فإن لم يحسن فليقم ولا يستحي. (٢)
وفي الحقيقة انّ الفقه المبنيّ على هذه الموازين غير المستندة إلى الكتاب والسنّة أشبه بالفقه الوضعي ، لأنّه من نتائج الفكر وضرب الآراء بعضها على بعض.
وقد كان عمر بن الخطاب ـ ومن جاء بعده ـ واقفا على قيمة هذا النوع من الرأي ، فقد روي أنّ رجلا لقاه ، فقال عمر بن الخطاب له : ما صنعت؟
قال : قضى عليّ وزيد بكذا ، قال : لو كنت أنا لقضيت بكذا ، قال : فما يمنعك والأمر أليك؟ قال : لو كنت أردّك إلى كتاب الله أو إلى سنّة نبيّه لفعلت ، ولكنّي أردّك إلى رأي ، والرأي مشترك ، فلم ينقض ما قال عليّ وزيد. (٣)
__________________
(١) اعلام الموقعين : ١ / ٦٢.
(٢) اعلام الموقعين : ١ / ٦٢ ـ ٦٣.
(٣) اعلام الموقعين : ١ / ٦٥.