ولتوضيح الحقيقة نقول : كما قلنا فإنّ معنى البداء في اللغة هو : الظهور بعد الخفاء ، والدليل عليه بعض الآيات المباركة من قبيل :
١ ـ قوله تعالى : ( وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا ) (١) أي ظهر لهم ما كان خافياً عليهم من سيئات ما كسبوا.
٢ ـ قوله تعالى : ( ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ ) (٢).
وهذا المعنى من البداء يحصل للإنسان فقط ، ولا يحصل في حقّ الله عزّ وجلّ ، لأنّه يلزم الجهل عليه ، وقد اتفقت الشيعة الإمامية على أنّه تعالى لا يجهل شيئاً ، بل هو عالم بالحوادث كلّها ، غابرها وحاضرها ومستقبلها ، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، فلا يتصوّر فيه الظهور بعد الخفاء ، ولا العلم بعد الجهل ، بل الأشياء دقيقها وجليلها حاضرة لديه.
ويدلّ على ذلك قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء ) (٣) ، وقول أمير المؤمنين عليهالسلام : ( كلّ سرّ عندك علانية ، وكلّ غيب عندك شهادة ) (٤) ، مضافاً إلى البراهين العقلية المقرّرة في محلّها.
وأمّا البداء في الاصطلاح فيمكن نسبته إلى الله تعالى ، ولا يلزم منه الجهل ، فعندما يقال : بدا لله تعالى بمعنى أظهر ما كان خافياً على الناس لا خافياً عليه ، لأنّ الآيات والأحاديث دلّت على أنّ مصير العباد يتغيّر بحسب أفعالهم وصلاح أعمالهم ، من الصدقة ، والإحسان ، وصلة الأرحام ، وبرّ الوالدين ، والاستغفار والتوبة ، وشكر النعمة ، وأداء حقّها ، إلى غير ذلك من الأُمور التي تغيّر المصير وتبدّل القضاء ، وتفرّج الهموم والغموم ، وتزيد في
____________
١ ـ الزمر : ٤٨.
٢ ـ يوسف : ٣٥.
٣ ـ آل عمران : ٥.
٤ ـ شرح نهج البلاغة ٧ / ١٩٤.