يسئ الاستفادة من رصيده المادّي والمعنوي ، ويصرفه في الشهوات واللذّات الزائدة ، فتقديره هو الحياة الشقية المظلمة.
والتقديران كلاهما من الله تعالى ، والشاب حرّ في اختيار أحد الطريقين ، والنتيجة التي تعود إليه بقضاء الله وقدره ، كما أنّ له أن يرجع أثناء الطريق ، فيختار بنفسه تقديراً آخر ويغيّر مصيره ، وهذا أيضاً يكون من تقدير الله تعالى ، فإنّه هو الذي خلقنا وخيّرنا وقدّرنا على الرجوع ، وفتح لنا باب التوبة.
ومثال آخر : المريض الذي يقع طريح الفراش ، أمامه تقديران : إمّا أن يعالج نفسه فيشفى ، أو يهمل نفسه فيستمر المرض به. والتقديران كلاهما من الله تعالى ، والمريض حرّ في اختيار سلوك أيّ الطريقين شاء. وأنت إذا نظرت إلى الكون والمجتمع والحياة الإنسانية تقدر على تمييز عشرات من هذه السنن السائدة ، وتعرف أنّها كلّها من تقاديره سبحانه ، والإنسان حرّ في اختيار واحد منها ، ولأجل ذلك يقول رسول الله صلىاللهعليهوآله : ( خمسة لا يستجاب لهم : رجل ... ، ورجل مرّ بحائط مائل وهو يقبل إليه ، ولم يسرع المشي حتّى سقط عليه ... ) (١).
والسرّ في عدم استجابة دعائه واضح ؛ لأنّ تقديره سبحانه وقضاءه على الإنسان الذي لا يقوم من تحت ذلك الجدار المائل هو الموت ، وبذلك تقف على مغزى ما روي عن علي عليهالسلام عندما عدل من حائط مائل إلى حائط آخر ، فقيل له : يا أمير المؤمنين أتفرّ من قضاء الله؟ فقال عليهالسلام : ( أَفِرُّ من قضاء الله إلى قدر الله عزّ وجلّ ) (٢).
يعني أنّ ذلك باختياري ، فإن شئت بقيت في هذا القضاء ، وإن شئت مضيت إلى قدر آخر ، فإن بقيت أقتل بقضاء الله ، وإن عدلت أبقى بتقدير منه سبحانه ، ولكلّ تقدير مصير ، فأيّهما فعلت فقد اخترت ذلك المصير.
وأمّا القضاء والقدر العلميّ ، فالتقدير منه : هو علمه سبحانه بما تكون
____________
١ ـ الخصال : ٢٩٩.
٢ ـ التوحيد : ٣٦٩.