لظاهر الحديث ، ولفعل ابن عباس ، وموافقة أبي هريرة ، ولأنّ المشقّة فيه أشدّ من المطر ) (١).
ولكن الوجه الذي اختاره النوويّ ، ومن سبقه غير صحيح ، لأنّ فعل ابن عباس لا يوحي بالمرض ، إذ كيف يتسنّى لمريض أن يخطب منذ العصر ، وحتّى ظهور النجوم ، فإذا كان النبيّ صلىاللهعليهوآله قد جمع بسبب المرض ، فما عذر ابن عباس في الجمع ، ولا أدري ما وجه موافقة أبي هريرة في الدلالة على المرض؟!
وقد ردّ القسطلانيّ هذا العذر بقوله : ( وحمله بعضهم على الجمع للمرض ، وقوّاه النوويّ لأنّ المشقّة فيه أشدّ من المطر ، وتعقّب بأنّه مخالف لظاهر الحديث ، وتقييده به ترجيح بلا مرجّح ، وتخصيص بلا مخصّص.
وقد أخذ آخرون بظاهر الحديث ، فجوّزوا الجمع في الحضر للحاجة ، لمن لا يتّخذه عادة ، وبه قال أشهب والقفال الشاشي ، وحكاه الخطّابيّ عن جماعة من أصحاب الحديث ، وتأوّله آخرون على الجمع الصوريّ بأن يكون آخر الظهر إلى آخر وقتها ، وعجّل العصر في أوّل وقتها ، وضعّف لمخالفته الظاهر ) (٢).
أمّا الترمذيّ ، فقد أورد هذه الروايات في جامعه ، وادّعى في كتاب العلل أنّ هذا الحديث غير معمول به ، ولكن المباركفوري قال : ( قال الترمذيّ في كتابه العلل ما لفظه : جميع ما في هذا الكتاب من الحديث هو معمول به ، وبه أخذ بعض أهل العلم ما خلا حديثين : حديث ابن عباس رضياللهعنه أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله جمع بين الظهر والعصر بالمدينة ، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر ولا سفر ، وحديث النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال : ( من شرب الخمرة فاجلدوه ، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه ) ... (٣) قال : وقد بيّنا علّة الحديثين جميعاً في الكتاب.
قلت : وقد تعصّب المُلاّ معين في كتابه دراسات اللبيب على كلام الترمذيّ
____________
١ ـ شرح صحيح مسلم ٥ / ٢١٨.
٢ ـ إرشاد الساري ٢ / ٢٢٢.
٣ ـ تحفة الأحوذيّ ١ / ٤٧٨.